قال في الكشّاف : «إضافة البقيّة إلى الله من حيث إنّها رزقه الّذي يجوز أن يضاف إليه. وأمّا الحرام فلا يضاف إلى الله ، ولا يسمّى رزقا على مذهبنا» (١).
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بشرط أن تؤمنوا ، فإنّ خيريّتها باستتباع الثواب مع النجاة ، وذلك مشروط بالإيمان. أو إن كنتم مصدّقين لي في قولي لكم. وقيل : البقيّة الطاعة ، فإنّه يبقى ثوابها أبدا والدنيا تفنى. ويؤيّده قوله تعالى : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ) (٢).
(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أحفظكم عن القبائح ، أو أحفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها ، وإنّما أنا ناصح مبلّغ ، وقد أعذرت حين أنذرت. أو لست بحافظ عليكم نعم الله لو لم تتركوا سوء صنيعكم.
(قالُوا) إنما أجابوه بعد أمرهم بالتوحيد استهزاء وتهكّما بصلاته (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) من الأصنام. أشعروا بذلك أنّ مثل قولك لا يدعو إليه داع عقليّ ، وأنّ ما دعاك إليه وساوس من جنس ما تواظب عليه. وكان عليهالسلام كثير الصلاة ، فلذلك جمعوا وخصّوا الصلاة بالذكر. وقرأ حمزة والكسائي وحفص على الإفراد. والمعنى : أصلوتك الّتي تداوم عليها ليلا ونهارا تأمرك بتكليف أن نترك ، فحذف المضاف ، لأنّ الرجل لا يؤمر بفعل غيره. وإسناد الأمر إلى الصلاة على طريق المجاز ، كإسناد النهي إليها في قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٣).
(أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) عطف على «ما» ، أي : وأن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا. وهذا جواب النهي عن التطفيف والأمر بالإيفاء. وقيل : كان شعيب
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٤١٩.
(٢) الكهف : ٤٦.
(٣) العنكبوت : ٤٥.