ولهذه الأجوبة الثلاثة على هذا الترتيب شأن ، وهو التنبيه على أنّ العاقل يجب أن يراعي في كلّ ما يفعله ويتركه أحد حقوق ثلاثة ، أهمّها وأعلاها حقّ الله.
وثانيها : حقّ النفس. وثالثها : حقّ الناس. فقال شعيب : كلّ ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم به ، وأنهاكم عمّا نهيتكم عنه.
(وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) وما كوني موفّقا لإصابة الحقّ والصواب إلّا بهدايته ومعونته. والمعنى : أنّي أطلب التوفيق من ربّي في إمضاء الأمر على سننه ، وأطلب منه التأييد والإظهار على عدوّه. (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) وفوّضت الأمور إليه ، فإنّه القادر المتمكّن من كلّ شيء ، وما عداه عاجز في حدّ ذاته ، بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار. وفيه إشارة إلى محض التوحيد الّذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ.
(وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) إشارة إلى معرفة المعاد. وهو يفيد الحصر بتقديم الصلة على «أنيب» ، كتقديم الصلة على «توكّلت».
وفي هذه الكلمات الثلاثة طلب التوفيق لإصابة الحقّ فيما يأتيه ويذره من الله عزوجل ، والاستعانة به في مجامع أمره ، والإقبال عليه بشراشره ، وحسم أطماع الكفّار ، وإظهار الفراغ عنهم ، وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم ، بالرجوع إلى الله تعالى للجزاء.
(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ