فاتّفقوا على ما هو أصول دين الحقّ ، غير مختلفين فيه. والمعنى : ولا يزالون مختلفين بالباطل إلّا من رحم الله بفعل اللطف لهم ، وهم الّذين يؤمنون بجميع أنبيائه ورسله وكتبه ، فإنّ من هذه صورته ناج من الاختلاف بالباطل.
(وَلِذلِكَ) إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأوّل. يعني : ولذلك التمكين والاختيار الّذي كان عنه الاختلاف (خَلَقَهُمْ) ليثيب الّذي يختار الحقّ بحسن اختياره ، ويعاقب من يختار الباطل بسوء اختياره.
أو إشارة إلى الرحمة في قوله : «رحم ربّك». وعدم تأنيث اسم الاشارة باعتبار معناه ، وهو الفضل والإنعام والإحسان ، كقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ) (١) بتذكير الخبر باعتبار معناه.
وقيل : إشارة إلى الاختلاف ، واللام للعاقبة. يريد : أنّ الله خلقهم وعلم أنّ عاقبتهم تؤل إلى الاختلاف المذموم ، كما قال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) (٢).
أو إشارة إلى اجتماعهم على الإيمان ، وكونهم فيه أمّة واحدة ، لقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣).
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وعيده ، أو قوله للملائكة : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) من عصاتهما (أَجْمَعِينَ) لعلمه بكثرة من يختار الباطل. ومعنى «تمّت» : وقع مخبرها على ما اخبر به ، أو وجب قول ربّك ، أو مضى حكم ربّك.
(وَكُلًّا) وكلّ نبأ (نَقُصُّ عَلَيْكَ) نخبرك به (مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) بيان لـ «كلّا» أو بدل منه. وفائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص ، وهو زيادة يقينه ، وطمأنينة قلبه ، وثبات نفسه على أداء الرسالة ، واحتمال أذى الكفّار ، فإنّ تكاثر الأدلّة أثبت للقلب ، وأرسخ للعلم. أو مفعول ، و «كلّا» منصوب
__________________
(١ ، ٢) الأعراف : ٥٦ و ١٧٩.
(٣) الذاريات : ٥٦.