كما أخّر جبرئيل وميكائيل عن الملائكة ثمّ عطفهما عليها لذلك.
وقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) كلام مستأنف لبيان حالهم الّتي رآهم عليها ـ على تقدير سؤال ـ وقع جوابا ، كأنّه قال له يعقوب : كيف رأيتها؟ فقال : رأيتهم لي ساجدين ، فلا تكرير. وإنّما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم.
عن وهب : أنّ يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أنّ إحدى عشرة عصا طوالا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدائرة ، فإذا عصا صغيرة تثب عليها حتّى اقتلعتها وغلبتها. فوصف ذلك لأبيه ، فقال : إيّاك أن تذكر هذا لإخوتك. ثمّ رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب تسجد له ، فقصّها على أبيه. فقال له : لا تقصّها عليهم ، فيبغوا لك الغوائل.
وقيل : كان بين رؤيا يوسف ومصير إخوته إليه أربعون سنة. وقيل : ثمانون.
وقال في الكشّاف (١) والأنوار (٢) : «إنّ يعقوب عليهالسلام عرف دلالة الرؤيا على أنّ يوسف يبلغه الله مبلغا من الحكمة ، ويصطفيه للنبوّة ، ويفوّقه على إخوته ، وينعم عليه بشرف الدارين ، كما فعل بآبائه ، فخاف عليه حسد الإخوة وبغيهم».
(قالَ يا بُنَيَ) تصغير ابن ، صغّره للشفقة أو لصغر السنّ ، لأنّه كان ابن اثنتي عشرة سنة. وقرأ حفص هاهنا وفي الصافّات (٣) بفتح الياء. (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً) فيحتالوا لإهلاكك حيلة.
قال في الأنوار : «الرؤيا كالرؤية ، غير أنّها مختصّة بما يكون في النوم ، ففرّق بينهما بحرفي التأنيث ، كالقربة والقربى. وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيّلة إلى الحسّ المشترك. والصادقة منها إنّما تكون باتّصال النفس بالملكوت ،
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٤٤٤.
(٢) أنوار التنزيل ٣ : ١٢٧.
(٣) الصافّات : ١٠٢.