وهو قوله : (فَلا كَيْلَ لَكُمْ). كأنّه قال : فإن لم تأتوني تحرموا ولا تقربوا.
(قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) سنجتهد في طلبه من أبيه (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ذلك لا نتوانى فيه.
(وَقالَ لِفِتْيانِهِ) لغلمانه الكيّالين. جمع فتى (١). وقرأ حمزة والكسائي وحفص : لفتيانه على جمع الكثرة ، ليوافق الرحال في قوله : (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ) فإنّه وكلّ بكلّ رحل واحدا يعبّئ فيه بضاعتهم الّتي شروا بها الطعام ، أي : يجعل في رحالهم خفية كيلا يفهموا. واحدها : رحل. يقال للوعاء رحل ، وللمسكن رحل. وأصله : الشيء المعدّ للرحيل. وكانت البضاعة نعالا وأدما. وإنّما ردّ عليهم البضاعة توسيعا وتفضّلا عليهم ، وترفّعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم ، وخوفا من أن لا يكون عند أبيهم ما يعيشون به.
(لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) لعلّهم يعرفون حقّ ردّها ، أو لكي يعرفوها (إِذَا انْقَلَبُوا) انصرفوا ورجعوا (إِلى أَهْلِهِمْ) وفتحوا أوعيتهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لعلّ معرفتهم ذلك الإحسان التامّ تدعوهم إلى الرجوع إلينا لطلب الميرة ثانيا.
قيل : معناه : أنّ ديانتهم تحملهم على ردّ البضاعة الّتي لا يستحلّون إمساكها ، فيرجعون لأجلها. ولم يعرّف يوسف نفسه ، مع علمه بشدّة حزن أبيه وقلقه واحتراقه على ألم فراقه ، لأنّه لم يؤذن له في التعريف ، استتماما للمحنة عليه وعلى يعقوب ، ولما علم الله من الحكمة والصلاح في تشديد البليّة ، تعريضا للمنزلة السنيّة.
(فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) حكم بمنعه بعد هذا إن لم نذهب بنيامين (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا) بنيامين (نَكْتَلْ) أي : نأخذ ما نحتاج إليه من الطعام بالكيل ، ونرفع المانع منه. وقرأ حمزة والكسائي بالياء ، على إسناده إلى
__________________
(١) أي : على قراءة : لفتيته.