ولمّا ذكر سبحانه أنّهم لا يؤمنون ، بيّن الدليل الّذي يوجب التصديق بالخالق ، فقال : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) مبتدأ وخبر. ويجوز أن يكون الموصول صفة ، والخبر (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ). (بِغَيْرِ عَمَدٍ) أساطين (١). جمع عماد ، كإهاب وأهب. أو جمع عمود ، كأديم وأدم. (تَرَوْنَها) صفة لـ «عمد». أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم السماوات كذلك.
وهو دليل على وجود الصانع الحكيم ، فإنّ ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرميّة ، واختصاصها بما يقتضي ذلك ، لا بدّ وأن يكون بمخصّص ليس بجسم ولا جسماني ، يرجّح بعض الممكنات على بعض بإرادته.
وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات الآتية.
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) بالحفظ والتدبير. وقد مضى (٢) تفسير استوائه على العرش غير مرّة.
(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذلّلهما لما أراد منهما ، كالحركة المستمرّة على حدّ معيّن من السرعة تنفع في حدوث الكائنات وبقائها (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) لمدّة معيّنة يتمّ فيها أدواره. أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره ، وهي : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (٣).
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) أمر ملكوته وأمور خلقه ، من الإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة ، وغير ذلك ، على الوجه الّذي توجبه الحكمة (يُفَصِّلُ الْآياتِ) يبيّنها مفصّلة في كتبه المنزلة ، أو يحدث الدلائل واحدا بعد واحد (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) لكي تتفكّروا فيها ، وتتحقّقوا كمال قدرته ، فتعلموا أنّ من قدر على خلق
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «أساطين جمع أسطون ، معرّب ستون. منه».
(٢) راجع ج ٢ ص ٥٣١.
(٣) التكوير : ١ ـ ٢.