(وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) مقيّدون بالضلال تخلية وخذلانا ، لا يرجى خلاصهم. أو يغلّون يوم القيامة. (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لا ينفكّون عنها. وتوسيط الفصل لتخصيص الخلود بالكفّار.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) بالعقوبة قبل العافية ، وذلك أنّهم استعجلوا ما هدّدوا به من عذاب الدنيا استهزاء (وَقَدْ خَلَتْ) مضت (مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) العقوبات لأمثالهم من المكذّبين ، فما لهم لم يعتبروا بها ، ولم يجوّزوا حلول مثلها عليهم؟! والمثلة ـ بفتح الثاء وضمّها ، كالصدقة والصدقة ـ : العقوبة ، لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١). ومنه المثال للقصاص. يقال : أمثلت الرجل من صاحبه ، إذا اقتصصته منه.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) أي : ظلمهم أنفسهم بالذنوب.
ومحلّه النصب على الحال ، بمعنى : ظالمين لأنفسهم. والعامل فيه المغفرة. والتقييد به دليل على جواز العفو قبل التوبة ، فإنّ التائب ليس على ظلمه ، كما قال المرتضى قدسسره : في هذا دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة ، لأنّه سبحانه دلّنا على أنّه يغفر لهم مع كونهم ظالمين ، لأنّ قوله : «على ظلمهم» إشارة إلى الحال الّتي يكونون فيها ظالمين. ومن منع ذلك خصّ الظلم بالصغائر المكفّرة لمجتنب الكبائر ، أو أوّل المغفرة بالستر والإمهال.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) للكفّار ، أو لمن يشاء قبل التوبة.
وعن سعيد بن المسيّب : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا عفو الله وتجاوزه لما هنأ أحد العيش ، ولو لا وعيده وعقابه لاتّكل كلّ أحد».
وتلا مطرف يوما هذه الآية فقال : لو يعلم الناس قدر رحمة الله ومغفرة الله وعفو الله وتجاوز الله لقرّت أعينهم ، ولو يعلم الناس قدر عذاب الله وبأس الله ونكال
__________________
(١) الشورى : ٤٠.