والعدوة بالحركات الثلاث شطّ الوادي. والمشهور الضمّ والكسر. وهو قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب.
(وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) البعدى من المدينة. تأنيث الأقصى. وكان قياسه قلب الواو ياء ، كالدنيا والعليا ، تفرقة بين الاسم والصفة ، فجاء على الأصل شاذّا كالقود ، وهو أكثر استعمالا من القصيا ، كما كثر استعمال «استصوب» مع مجيء «استصاب» و «أغيلت» مع «أغالت» (١).
(وَالرَّكْبُ) أي : العير أو قوّادها (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) في مكان أسفل من مكانكم ، يعني : الساحل. قال الكلبي : كانوا على شطّ البحر بثلاثة أميال. وهو منصوب على الظرف ، واقع موقع خبر المبتدأ ، والجملة حال من الظرف قبله.
والفائدة في ذكر هذه المراكز الإخبار عن الحال الدّالة على قوّة المشركين وشوكتهم ، وتكامل عدّتهم ، وضعف المسلمين ، وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلّا بأمر إلهي ، لم يتيسّر إلّا بحوله وقوّته ، وذلك أنّ العدوة القصوى الّتي أناخ بها المشركون كان فيها الماء ، والعدوة الدنيا رخوة تسوخ فيها الأرجل ، ولا يمشى فيها إلّا بتعب ومشقّة ، وما كان فيها ماء ، وكانت العير وراء ظهور العدوّ ، مع كثرة عددهم ، وفرط حمايتهم وحميّتهم ، وغاية جهدهم في أن لا يبرحوا بهم إلى مكّة.
وأيضا لمثل هذه الفائدة قال : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أي : لو تواعدتم أنتم وهم القتال ، ثمّ علمتم حالهم وحالكم (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي : لثبّطكم قلّتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد ، هيبة منهم ، ويأسا من الظفر عليهم ، لتتحقّقوا أنّ ما اتّفق لكم من الفتح ليس إلّا صنعا من الله تعالى خارقا للعادة ، فتزدادوا إيمانا وشكرا.
(وَلكِنْ) جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد ، بل حين وعدكم إحدى
__________________
(١) أغالت أو أغيلت المرأة ولدها : أرضعته وهي حامل.