الحقّ ، فقال : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) كيف اعتمده ووضعه (كَلِمَةً طَيِّبَةً) منصوبة بفعل مضمر ، أي : جعل كلمة طيّبة (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) زاكية نامية. وهو تفسير لقوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) ، كما تقول : أكرم الأمير زيدا ، كساه حلّة ، وحمله على فرس. ويجوز أن تكون «كلمة» بدلا من «مثلا» و «كشجرة» صفتها ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي كشجرة. وأن تكون أول مفعولي «ضرب» ، إجراء لها مجرى «جعل».
(أَصْلُها ثابِتٌ) في الأرض ، ضارب بعروقه فيها ، راسخة أصولها فيها (وَفَرْعُها) وأعلاها (فِي السَّماءِ) في جهة العلوّ والصعود. أراد به المبالغة في الرفعة. ويجوز أن يريد : وفروعها ، أي : أفنانها (١) ، على الاكتفاء بلفظ الجنس ، لاكتسابه الاستغراق من الإضافة.
(تُؤْتِي أُكُلَها) تعطي ثمرها (كُلَّ حِينٍ) وقّته الله لإثمارها. وعن سعيد بن جبير : أراد بذلك أنّه يؤكل ثمرها في الصيف ، وطلعها في الشتاء. وما بين صرام (٢) النخلة إلى حملها ستّة أشهر. (بِإِذْنِ رَبِّها) بإرادة خالقها وتكوينه.
وقيل : معناه في جميع الأوقات ، لأنّ ثمر النخل يكون أوّلا طلعا ، ثمّ يصير بلحا ، ثمّ بسرا ، ثمّ رطبا ، ثمّ تمرا ، فيكون ثمره موجودا في الأوقات كلّها.
(وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لأنّ في ضربها زيادة إفهام وتذكير ، فإنّه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحسّ.
والكلمة الطيّبة هي كلمة التوحيد ، كما نقل عن ابن عبّاس أنّها شهادة أن لا إله إلّا الله. وقيل : كلّ كلمة حسنة ، كالتسبيحة والتحميد والتوبة والاستغفار والدعوة ، وسائر ما أمر الله تعالى به. وإنّما سمّاها طيّبة ، لأنّها زاكية بالخيرات ، نامية
__________________
(١) الأفنان جمع الفنن ، وهو الغصن المستقيم.
(٢) أي : قطع تمرها.