يكون طلاؤه لهم كالسراويل ، ليجتمع عليهم أربع : لذع القطران وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح. على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكلّ ما وعد الله أو أوعد الله في الآخرة ، فبينه وبين ما يشاهد من جنسه ما لا يقادر قدره ، فكأنّه ما عندنا إلّا الأسامي والمسمّيات ثمّة.
وعن يعقوب : قطر آن. والقطر : النحاس أو الصفر المذاب ، والآني : المتناهي حرّه. والجملة حال ثانية من مفعول «ترى» ، أو حال من الضمير في «مقرّنين».
(وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) لأنّهم لم يتوجّهوا بها إلى الحقّ ، ولم يستعملوا في تدبّره مشاعرهم وحواسّهم الّتي خلقت فيها لأجله ، كما تطّلع على أفئدتهم ، لأنّها فارغة عن المعرفة ، مملوءة بالجهالات. ونظيره قوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١) ، وقوله : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (٢).
(لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ) أي : يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي كلّ نفس مجرمة (ما كَسَبَتْ) أو كلّ نفس مجرمة أو مطيعة ، لأنّه إذا بيّن أنّ المجرمين يعاقبون لأجرامهم ، دلّ على أنّ المطيعين يثابون لطاعتهم. ويتعيّن ذلك إن علّق اللام بـ «برزوا». (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) لا يشغله حساب عن حساب.
(هذا) إشارة إلى القرآن ، أو السورة ، أو ما فيه من العظة والتذكير ، أو ما وصفه من قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ) (٣) (بَلاغٌ لِلنَّاسِ) كفاية لهم في الموعظة (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) عطف على محذوف ، أي : لينصحوا ولينذروا بما في هذا البلاغ من الوعيد. فتكون اللام متعلّقة بالبلاغ. ويجوز أن تتعلّق بمحذوف تقديره : ولينذروا به أنزل أو تلي.
__________________
(١) الزمر : ٢٤.
(٢) القمر : ٤٨.
(٣) إبراهيم : ٤٢.