(وَالْجَانَ) أبا الجنّ. وقيل : إبليس. ويجوز أن يراد به الجنس ، كما هو الظاهر من الإنسان ، لأنّ تشعّب الجنس لمّا كان من شخص واحد خلق من مادّة واحدة ، كان الجنس بأسره مخلوقا منها. وانتصابه بفعل يفسّره قوله : (خَلَقْناهُ) من قبل خلق الإنسان (مِنْ نارِ السَّمُومِ) من نار الحرّ الشديد النافذ في المسامّ.
وقيل : هي نار لا دخان لها ، والصواعق يكون منها. ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة ، كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجرّدة ، فضلا عن الأجساد المؤلّفة الّتي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنّها أقبل لها من الّتي الغالب فيها الجزء الأرضي. وقوله : (مِنْ نارِ) باعتبار الغالب ، كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) (١).
قيل : هذه السموم جزء من سبعين جزءا من سموم النار الّتي خلق الله منها الجانّ.
ومساق الآية كما يدلّ على كمال قدرته وبيان بدء خلق الثقلين ، فهو كالتنبيه على المقدّمة الثانية الّتي يتوقّف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول الموادّ للجمع والإحياء.
واعلم أنّ أصل آدم عليهالسلام كان من تراب ، وذلك قوله : (مِنْ تُرابٍ) (٢). ثمّ جعل التراب طينا ، وذلك قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) (٣). ثمّ ترك ذلك الطين حتّى تغيّر واسترخى ، وذلك قوله : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ثمّ ترك حتّى جفّ ، وذلك قوله : (مِنْ صَلْصالٍ). فهذه الأقوال لا تناقض فيها ، إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة ، كما قال تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) واذكر وقت قوله : (لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) يعني : آدم.
وسمّي بشرا لأنّه ظاهر الجلد ، لا يواريه شعر ولا صوف.
__________________
(١) الروم : ٢٠.
(٢) آل عمران : ٥٩.
(٣) الأنعام : ٢.