(مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ) عدّلت خلقته وكمّلته ، وهيّأته لنفخ الروح فيه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي.
قال في الكشّاف : «معناه : وأحييته ، وليس ثمّ نفخ ولا منفوخ ، وإنّما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه» (١).
وقال في الأنوار : «أصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر ، ولمّا كان الروح يتعلّق أوّلا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب ، وتفيض عليه القوّة الحيوانيّة ، فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن ، جعل تعلّقه بالبدن نفخا ، وإضافة الروح إلى نفسه للتشريف» (٢).
(فَقَعُوا) فاسقطوا (لَهُ ساجِدِينَ) أمر من : وقع يقع.
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) أكّد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ، ومنع توهّم احتمال التخصيص.
وقيل : أكّد بالكلّ للإحاطة ، وبأجمعين للدلالة على أنّهم سجدوا مجتمعين دفعة. وفيه بحث ، إذ لو كان الأمر كذلك كان الثاني حالا لا تأكيدا.
(إِلَّا إِبْلِيسَ) إن جعل منقطعا اتّصل به قوله : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أي : ولكن إبليس امتنع أن يسجد معهم واستكبر. وإن جعل متّصلا كان استئنافا ، على أنّه جواب سائل قال : هلّا سجد؟ فقيل : أبى أن يكون من الساجدين.
واستثنى إبليس من الملائكة ، لأنّه كان بينهم مأمورا معهم بالسجود ، فغلّب اسم الملائكة ثمّ استثنى بعد التغليب ، كقولك : رأيتهم إلّا هذا. وقد سبق (٣) القول في
__________________
(١) الكشّاف ٢ : ٥٧٧.
(٢) أنوار التنزيل ٣ : ١٦٨.
(٣) راجع ج ١ ص ١٢٣ ذيل الآية (٣٤) من سورة البقرة.