أنّ إبليس هل كان من الملائكة أو لم يكن؟ باختلاف العلماء فيه ، وما لكلّ واحد من الفريقين من الحجج في سورة البقرة ، فلا معنى للإعادة هاهنا.
(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ) حرف الجرّ محذوف ، أي : أيّ غرض لك في أن لا تكون (مَعَ السَّاجِدِينَ) لآدم؟! (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) اللام لتأكيد النفي ، أي : لا يصحّ منّي وينافي حالي أن أسجد (لِبَشَرٍ) جسمانيّ كثيف وأنا جسم لطيف (خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) وهو أخسّ العناصر ، وخلقتني من نار وهي أشرفها. استنقص آدم عليهالسلام باعتبار النوع والأصل. وقد سبق (١) الجواب عنه في سورة الأعراف.
(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي : من السماء ، أو الجنّة ، أو زمر الملائكة. وقيل : من الرئاسة. (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود من الخير والكرامة ، مبعد من الرحمة ، فإنّ من يطرد يرجم بالحجر. أو شيطان يرجم بالشهب. وهو وعيد يتضمّن الجواب عن شبهته.
(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) هذا الطرد والإبعاد (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ضرب يوم الدين حدّا للعنة ، إمّا لأنّه أبعد غاية يضربها الناس ـ كقوله : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٢) ـ في التأبيد. وإمّا أن يراد : أنّك مذموم مدعوّ عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذّب ، فإذا جاء ذلك اليوم عذّبت بما ينسى اللعن معه. أو لأنّ اللعنة إلى يوم الدين يناسب أيّام التكليف. وما في قوله : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣) بمعنى آخر ، وهو العذاب الأليم والعقاب العظيم.
(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) فأخّرني. والفاء متعلّقة بمحذوف دلّ عليه «فاخرج
__________________
(١) راجع ج ٢ ص ٤٩٨ ذيل الآية (١٢) من سورة الأعراف.
(٢) هود : ١٠٧.
(٣) الأعراف : ٤٤.