منها فإنّك رجيم». (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) سأل الإنظار إلى اليوم الّذي فيه يبعثون لئلّا يموت ، لأنّه لا يموت يوم البعث أحد ، فلم يجب إلى ذلك الوقت ، بل (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) المسمّى فيه أجلك عند الله ، أو انقراض الناس كلّهم ، وهو النفخة الأولى.
ويجوز أن يكون المراد بالأيّام الثلاثة يوم القيامة ، واختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات. فعبّر عنه أوّلا بيوم الجزاء لما عرفته ، وثانيا بيوم البعث ، إذ به يحصل العلم بانقطاع التكليف واليأس عن التضليل ، وثالثا بالمعلوم ، لوقوعه في الكلامين. ولا يلزم من ذلك أن لا يموت ، ويمكن أن يموت أوّل اليوم ويبعث مع الخلائق في تضاعيفه. وهذه المخاطبة وإن لم تكن بواسطة لم تدلّ على منصب إبليس ، لأنّ خطاب الله له على سبيل الإهانة والإذلال.
(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم ، و «ما» مصدريّة ، وجوابه (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ). والمعنى : أقسم بإغوائك إيّاي لأزيّننّ لهم المعاصي في الدنيا الّتي هي دار الغرور. ومعنى إغوائه إيّاه تسبيبه لغيّه ، بأن أمره بالسجود لآدم ، فأفضى ذلك إلى غيّه. وما الأمر بالسجود إلّا حسن وتعريض للثواب بالتواضع والخضوع لأمر الله ، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك ، والله تعالى بريء من غيّه ومن إرادته والرضا به ، كما هو رأي الأشعريّة ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. ونحو ذلك قوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) (١) في أنّه إقسام ، إلّا أنّ أحدهما إقسام بصفته ، والآخر إقسام بفعله.
ويجوز أن لا تكون الباء للقسم ، بل للسببيّة ، ويقدّر قسم محذوف. والمعنى : بسبب تسبيبك لإغوائي أقسم لأفعلنّ بهم نحو ما فعلت بي من التسبيب لإغوائهم ، بأن أزيّن لهم المعاصي.
__________________
(١) ص : ٨٢.