(وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ولأحملنّهم أجمعين على الغواية ، وأوسوس إليهم ما يكون سبب هلاكهم في الدنيا الّتي هي دار الغرور ، كقوله : (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) (١). أو أراد : أنّي أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء ، فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر. أو أراد : لأجعلنّ مكان التزيين عندهم الأرض ، ولأوقعنّ تزييني فيها ، أي : لأزيّننّها في أعينهم ، ولأحدّثنّهم بأنّ الزينة في الدنيا وحدها حتّى يستحبّوها على الآخرة ، ويطمئنّوا إليها دونها.
(إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) الّذين أخلصتهم لطاعتك ، وطهّرتهم من الشوائب ، فلا يعمل فيهم كيدي.
(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَ) حقّ عليّ أن أراعيه (مُسْتَقِيمٌ) لا انحراف عنه.
وهذا إشارة إلى ما تضمّنه الاستثناء ، وهو تخليص المخلصين من إغوائه. أو إلى الإخلاص ، على معنى أنّه طريق عليّ يؤدّي إلى الوصول إليّ من غير اعوجاج وضلال.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) تصديق لإبليس فيما استثناه. وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين ، ولأنّ المقصود بيان عصمتهم ، وانقطاع مخالب الشيطان عنهم. أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده ، فإنّ منتهى تزيينه التحريض والتدليس ، كما قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (٢). وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا. وعلى الأول يدفع قول من شرط أن يكون المستثنى أقلّ من الباقي ، لإفضائه إلى تناقض الاستثناءين ، لأنّه استثنى الغاوين من العباد تارة ، وعكس
__________________
(١) الأعراف : ١٧٦.
(٢) إبراهيم : ٢٢.