ولمّا ختم الله سبحانه سورة الحجر بوعيد الكفّار ، افتتح هذه السورة بوعيدهم أيضا. وروي أنّ كفّار مكّة كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من قيام الساعة أو إهلاك الله إيّاهم ـ كما فعل يوم بدر ـ استهزاء وتكذيبا ، ويقولون : إن صحّ ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلّصنا منه ، فنزلت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَتى أَمْرُ اللهِ) أي : الأمر الموعود من الله بمنزلة الآتي المتحقّق ، من حيث إنّه واجب الوقوع. وفي الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «إنّ أمر الله آت ، وكلّ ما هو آت قريب دان».
(فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فلا تستعجلوا وقوعه ، فإنّه لا خير لكم فيه ، ولا خلاص لكم منه.
وقيل : لمّا نزلت : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (١) قال الكفّار فيما بينهم : إنّ هذا يزعم أنّ القيامة قد قربت ، فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتّى ننظر ما هو كائن. فلمّا تأخّرت قالوا : ما نرى شيئا. فنزلت : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) (٢). فأشفقوا وانتظروا قربها. فلمّا امتدّت الأيّام قالوا : يا محمّد ما نرى شيئا ممّا تخوّفنا به. فنزلت : (أَتى أَمْرُ اللهِ). فوثب رسول الله ، ورفع الناس رؤوسهم ، فنزلت : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنّوا.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) تبرّأ وجلّ عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم ، فتكون «ما» موصولة. أو عن إشراكهم ، فتكون مصدريّة. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على وفق قوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). والباقون بالياء على تلوين الخطاب ، أو على أن الخطاب للمؤمنين ، أو لهم ولغيرهم.
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) بالوحي أو القرآن ، فإنّه يحيي به القلوب الميّتة بالجهل. أو بما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد. وذكره عقيب ذلك إشارة إلى
__________________
(١) القمر : ١.
(٢) الأنبياء : ١.