يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) شيئا من المساجد ، فضلا عن المسجد الحرام الّذي هو صدرها ومقدّمها. وقيل : هو المراد ، وإنّما جمع لأنّه قبلة المساجد كلّها وإمامها ، فعامره كعامر الجميع ، أو لأنّ كلّ موضع منه مسجد. ويدلّ عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب بالتوحيد.
(شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) حال من الواو في «يعمروا». ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر : ظهور كفرهم وتكذيبهم الرسول ، وأنّهم نصبوا أصنامهم حول البيت ، وكانوا يطوفون حول البيت عراة ، وكلّما طافوا بها شوطا سجدوا لها.
وقيل : هو قولهم : لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو لك ، تملكه وما ملك.
والمعنى : ما استقام أن يجمعوا بين أمرين متنافيين : عمارة بيت الله تعالى ، وعبادة غيره.
روي أنّ المهاجرين والأنصار عيّروا أسارى بدر ، ووبّخ عليّ عليهالسلام العبّاس حين أسر بقتال رسول الله وقطيعة الرحم ، وأغلظ له في القول. فقال العبّاس : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا. فقالوا : ألكم محاسن؟ قالوا : نعم ، ونحن أفضل منكم أجرا ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونسقي الحجيج ، ونفكّ العاني. فنزلت : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الّتي يفتخرون بها بما قارنها من الشرك ، لأنهم أوقعوها على الوجه الّذي لا يستحقّ لأجله الثواب عليها عند الله. (وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) مقيمون مؤبّدون لأجله.
(إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ) بحدودها المعتبرة في شرع الإسلام (وَآتَى الزَّكاةَ) إن وجب عليه إلى مستحقّها. والمعنى : إنّما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلميّة والعمليّة ، لا لغيرهم. ومن عمارتها : رمّ ما استهدم منها ، وكنسها وتنظيفها ، وتزيينها بالفرش ، وتنويرها