__________________
=
قال أبو حنيفة : حججتُ في أيام أبي عبد الله الصادق عليهالسلام .. قيل كان معه عبد الله بن مسلم فلما أتيت المدينة قصدتُ دار الصادق عليهالسلام لآخذ منه علماً .. قيل أشار عليه بذلك عبد الله بن مسلم ، فجلست انتظر الدخول عليه ، قيل لأن جمعاً من الشيعة كانوا عنده ، فبينما أنا كذلك إذ خرج صبي يدرجُ فقام الناس هيبة له فقلتُ : يا أبا مسلم : من هذا الصبي فقال لي : انه موسى ولده. قال أبو حنيفة : فقلتُ في نفسي والله لأخرسه بين الناس بسؤال ، فقلت له : يا غلام : أين يضعُ الغريب الغائط إذا كان عندكم ؟! فقال الصبي : على رسلك ، يتوقَّ شطوطَ الأنهار ، ومساقط الثمار ، وافنية المساجد ، وقارعة الطريق ، ويتوارَ خلف جدارٍ ، ثم يرفع ثوبه ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ثم يضع حيث يشاء.
قال أبو حنيفة : فلما سمعت قوله عظم في عيني ، فقلتُ له : جُعلتُ فداك ما اسمك ؟ فقال : أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب وجدتي فاطمة الزهراء بنت رسول الله.
قال أبو حنيفة : ثم قلت له : يا غلام وممن المعصية ، فنظر اليَّ ثم قال : اجلس حتى أخبرك فجلست ، فقال لي : إن المعصية لا تخلو من إحدى ثلاث ، أما من الله ـ وليست منه ـ فهو اعدل وانصفُ من أن يُعذب عبداً على ما لا يرتكب واما من العبد ـ وهي منه ـ فإن عفا سبحانه فبكرمه وجوده وان عاقب فبعدلهِ وسلطانه فله حقُ العقاب والثواب وإن كانت من الاثنين ـ وليس كذلك ـ فهما شريكان فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الضعيف. قال أبو مسلم : فأصابت ابو حنيفة سكتةٌ كأنما أُلقمَ حجراً فقلتُ له : الم اقل لك لا تتعرض لأولاد رسول الله.
قال ابو حنيفة : فإنصرفت ولم الق الصادق عليهالسلام مُستغنياً بما سمعت. اعلام الورى ٢ / ٢٩.
وقد ذكر الكراجكي ان أحد الشعراء نظم ذلك في ابيات :
لم تخلُ افعالنا اللاتي نُذّمُ بها |
|
احدى ثلاثِ خلالٍ حين نأتيها |
اما تفردُ بارينا بصنعتها |
|
فيسقط اللوم عنّا حين نُنشيها |
او كان يشركُنا فيه فيلحقهُ |
|
ما سوف يلحقنا من لائمٍ فيها |
او لم يكن لألهي في جنايتها |
|
ذنبٌ فما الذنبُ ألا ذنبُ جانيها |
كنز الفوائد : ١ / ٣٦٦
=