أصبح الملك بهم مشرق القسام (١) ، والأيام ذات بهجة وابتسام ، حتى أناخ بهم الحمام ، وعطل من محاسنهم الوراء والأمام ، فنقل إلى العدم وجودهم ، ولم يرع بأسهم وجودهم ، وكل ملك آدمي فمفقود ، وما نؤخره إلا لأجل معدود ، فأول ناشئة ملكهم ، ومحصل الأمر تحت ملكهم ، عظيمهم الأكبر ، وسابقة شرفهم الأجل الأشهر ، وزينهم الذي يعد في الفضائل بالوسطى والخنصر ، محمد بن عباد ، ويكنى أبا القاسم ، واسم والده إسماعيل ، ومن شعره قوله : [السريع]
يا حبّذا الياسمين إذ يزهر |
|
فوق غصون رطيبة نضّر |
قد امتطى للجبال ذروتها |
|
فوق بساط من سندس أخضر (٢) |
كأنّه والعيون ترمقه |
|
زمرّد في خلاله جوهر (٣) |
ولنذكر كلام ابن اللبانة وغيره في حقهم فنقول : وصف المعتضد رحمه الله تعالى بما صورته : المعتضد أبو عمرو عبّاد رحمه الله تعالى ، لم تخل أيامه في أعدائه من تقييد قدم ، ولا عطل سيفه من قبض روح وسفك دم ، حتى لقد كانت في باب داره حديقة لا تثمر إلا رؤوسا ، ولا تنبت إلا رئيسا ومرءوسا ، فكان نظره إليها أشهى مقترحاته ، وفي التلفت إليها استعمل جلّ بكره وروحاته ، فبكى وأرق ، وشتت وفرق ، ولقد حكى عنه من أوصاف التجبر ما ينبغي أن تصان عنه الأسماع ، ولا يتعرض له بتصريح ولا إلماع ، ومن نظمه عفا الله عنه [مجزوء الرجز] :
تتك أمّ الحسن |
|
تشدو بصوت حسن |
تمدّ في ألحانها |
|
من الغناء المدني (٤) |
تقود منّي ساكنا |
|
كأنّني في رسن (٥) |
أوراقها أستارها |
|
إذا شدت في فنن |
وقوله : [الطويل]
شربنا وجفن اللّيل يغسل كحله |
|
بماء صباح والنّسيم رقيق |
__________________
(١) القسام ـ بفتح القاف : الجمال.
(٢) السندس : نوع من رقيق الحرير.
(٣) في ب «في حلاله جوهر».
(٤) كذا في ب ، ج ، عن ه ، وفي أصل ه «مدّ الغناء المدني».
(٥) في أصل ه «تقود مني سلسلا».