رحمه الله تعالى! وقد أكرمه السلطان أبو عنان في هذه الوفادة وغيرها غاية الإكرام ، وكان المقصود الأعظم من هذه الوفادة استعانة سلطان الأندلس الغني بالله بالسلطان أبي عنان على طاغية النصارى ، كما ألمعنا بذلك في الباب الثاني من القسم الثاني الذي تعلق بلسان الدين.
وكان السلطان أبو عنان ابن السلطان أبي الحسن معتنيا بالأندلس غاية الاعتناء ، وخصوصا بجبل الفتح ، حتى إنه بلغ من اعتنائه به (١) أن أمّر عليه ولده أبا بكر السعيد ، وهو الذي تولى الملك بعده.
ومن إنشاء لسان الدين بن الخطيب رحمه الله تعالى على لسان سلطانه ما خاطب به الأمير السعيد المذكور إذ قلّده والده جبل الفتح ، وهو :
الإمارة التي أشرق في سماء الملك شهابها ، واتصلت بأسباب العز أسبابها ، واشتملت على الفضل والطهارة أثوابها ، وأجيلت قداح المفاخر فكان إلى جهة الله تعالى انتدابها ، إمارة محلّ أخينا الذي تأسس على مرضاة الله تعالى أصيل فخره ، واتّسم بالمرابط المجاهد على اقتبال سنه وجدّة عمره (٢) ، وبدأ بفضل الجهاد صحيفة أجره ، وافتتح بالرباط والصلاح ديوان نهيه وأمره ، لما يسّره من سعادة نصبته وحباه من عز نصره ، الأمير الأجل الأعز الأرفع الأسنى الأطهر الأظهر الأمنع الأصعد الأسمى الموفق الأرض ، محل أخينا العزيز علينا ، المهداة أنباء مأمول جواره إلينا ، أبي بكر السعيد ابن محل والدنا الذي مقاصده للإسلام وأهله على مرضاة الله تعالى جارية ، وعزائمة على نصر الملة الحنيفية متبارية ، السلطان الكذا أبو عنان ابن السلطان الكذا أبي الحسن ابن السلطان الكذا أبي سعيد ابن السلطان يعقوب بن عبد الحق ، أبقاه الله تعالى سديدة آراؤه ناجحة أعماله ، ميسّرة أغراضه من فضل الله تعالى متممة آماله ، رحيبا (٣) في العدل مجاله (٤) ، يكنفه من الله تعالى ومحل أبينا غمام وارفة ظلاله ، هامر (٥) نواله ، حتى يرضى الله تعالى مصاعه بين يديه ومصاله (٦) ، وتمضي في الأعداء أمام رايته المنصورة نصاله ، أخوه المسرور بقربه ، المنطوي على مضمر حبه ، أمير المسلمين محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن فرج بن نصر.
__________________
(١) في ب «اهتمامه به».
(٢) يريد أنه شجاع بطل رغم حداثة سنه. وأن شجاعته وبطولته قد صرفت إلى جهاد العدو وغزوه والمرابطة والمثاغرة في سبيل الله تعالى.
(٣) رحيبا : فسيحا واسعا. ومجاله : مكانه الذي يجول فيه.
(٤) في ب ، ه «رحيبا في السعد مجاله».
(٥) في ه «هام نواله» وهامر وهام بمعنى منسكب.
(٦) المصاع : المضاربة بالسيوف ونحوها. والمصال : هنا جرحه للأعداء والإيقاع بهم.