وحصره جيوش لمتونة الملثمين حتى أخذوه قهرا ، وسيق إلى أمير المسلمين ، والقصة (١) مشهورة.
وقال الفتح في شأن حصار المعتمد ما صورته (٢) : ولما تم في الملك أمده ، وأراد الله تعالى أن تخر عمده ، وتنقرض أيامه ، وتتقوض عن عراص الملك خيامه (٣) ، نازلته جيوش أمير المسلمين ومحلاته ، وظاهرته فساطيطه ومظلاته ، وبعد ما نثرت حصونه وقلاعه ، وسعّرت بالنكاية جوانحه وأضلاعه ، وأخذت عليه الفروج والمضايق ، وانثنت (٤) إليه الموانع والعوائق ، وطرقته طوارقها بالإضرار ، وأمطرته من النكاية كل ديمة مدرار (٥) ، وهو ساه بروض ونسيم ، لاه براح ومحيا وسيم ، زاه بفتاة تنادمه ، ناه عن هدم أنس هو هادمه ، لا يصيخ إلى نبأة سمعه ، ولا ينيخ إلا على لهو يفرق جموعه جمعه ، وقد ولى المدامة ملامه ، وثنى إلى ركنها طوافه واستلامه ، وتلك الجيوش تجوس خلاله ، وتقلص ظلاله ، وحين اشتد حصاره ، وعجز عن المدافعة أنصاره ، ودلّس (٦) عليه ولاته ، وكثرت أدواؤه وعلّاته ، فتح باب الفرج ، وقد لفح شواظ الهرج ، فدخلت عليه من المرابطين زمره ، واشتعلت من التغلب جمره ، تأجج اضطرامها ، وسهل بها إيقاد الفتنة (٧) وإضرامها ، وعندما سقط الخبر عليه خرج حاسرا عن مفاضته (٨) ، جامحا كالمهر قبل رياضته ، فلحق أوائلهم عند الباب المذكور وقد انتشروا في جنباته ، وظهروا على البلد من أكثر جهاته ، وسيفه في يده يتلمّظ للطّلى والهام ، ويعد بانفراج ذلك الاستبهام ، فرماه أحد الداخلين برمح تخطّاه ، وجاوز مطاه (٩) ، فبادره بضربة أذهبت نفسه ، وأغربت شمسه ، ولقي ثانيا فضربه وقسمه ، وخاض حشا ذلك الداء وحسمه ، فاجلوا عنه ، وولوا فرارا منه ، فأمر بالباب فسد ، وبنى منه ما هد ، ثم انصرف وقد أراح نفسه وشفاها ، وأبعد الله تعالى عنه الملامة ونفاها ، وفي ذلك يقول عندما خلع ، وأودع من المكروه ما أودع : [مجزوء الكامل]
إن يسلب القوم العدى |
|
ملكي وتسلمني الجموع |
فالقلب بين ضلوعه |
|
لم تسلم القلب الضّلوع |
قد رمت يوم نزالهم |
|
أن لا تحصّنني الدّروع |
__________________
(١) في ه «والقضية مشهورة».
(٢) انظر القلائد ص ٢١.
(٣) العراص : جمع عرصة ، وهي ساحة الدار.
(٤) في ب ، ه «وثنت».
(٥) الديمة ، السحابة الممطرة. والمدرار : الغزيرة الماء.
(٦) دلّس عليه : أتاه بغير الصحيح.
(٧) في القلائد «إيقاد البقية وإخدامها».
(٨) في ب ، ه «حاسرا من مفاضته» والمفاضة : الدرع.
(٩) جاوز مطاه : جاوز مطيته.