سفن تعبر فيها البحر إلينا ، فقد عبرنا إليك ، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك ، وسترى عاقبة دعائك (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) [غافر : ٥٠] انتهى بمعناه ، وأكثره بلفظه.
ولنرجع إلى كلام صاحب «الروض المعطار» (١) فإنه أقعد بتاريخ الأندلس ، إذ هو منهم ، وصاحب البيت أدرى [بالذي فيه](٢) ، قال رحمه الله تعالى : فلما عبر يوسف وجميع جيوشه إلى الجزيرة الخضراء انزعج إلى إشبيلية على أحسن الهيئات ، جيشا بعد جيش ، وأميرا بعد أمير ، وقبيلا بعد قبيل ، وبعث المعتمد ابنه إلى لقاء يوسف ، وأمر عمال البلاد بجلب الأقوات والضيافات ، ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه ، وتواردت الجيوش مع أمرائها على إشبيلية ، وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من إشبيلية في مائة فارس ووجوه أصحابه ، فلما أتى محلة يوسف ركض نحو القوم ، وركضوا نحوه ، فبرز إليه يوسف وحده ، والتقيا منفردين ، وتصافحا ، وتعانقا ، وأظهر كل منهما لصاحبه المودة والخلوص ، وشكرا نعم الله تعالى ، وتواصيا بالصبر والرحمة ، وبشرا أنفسهما بما استقبلاه من غزو أهل الكفر ، وتضرعا إلى الله تعالى في أن يجعل ذلك خالصا لوجهه ، مقربا إليه ، وافترقا ، فعاد يوسف لمحلته ، وابن عباد إلى جهته ، وألحق ابن عباد ما كان أعده من هدايا وتحف وضيافات أوسع بها على محلة يوسف بن تاشفين ، وباتوا تلك الليلة ، فلما أصبحوا وصلّوا الصبح ركب الجميع ، وأشار ابن عباد على يوسف بالتقدم نحو إشبيلية ، ففعل ، ورأى الناس من عزة سلطانهم (٣) ما سرهم ، ولم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر أو أعان وخرج أو أخرج ، وكذلك فعل الصحراويون مع يوسف كل صقع من أصقاعه رابطوا وكابدوا (٤) ، وكان الأذفونش لما تحقق الحركة والحرب استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما وراءها ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم ، ونشروا أناجيلهم ، فاجتمع له من الجلالقة والإفرنجة ما لا يحصى عدده ، وجواسيس كل فريق تتردد بين الجميع ، وبعث الأذفونش إلى ابن عباد أن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاده ، وخاض البحور (٥) وأنا أكفيه العناء فيما بقي ، ولا أكلفكم تعبا ، أمضي إليكم وألقاكم في بلادكم رفقا بكم وتوفيرا عليكم ، وقال لخاصته وأهل مشورته : إني (٦) رأيت أني إن مكنتهم من الدخول إلى بلادي ، فناجزوني فيها وبين جدرها (٧) ، وربما كانت الدائرة علي ،
__________________
(١) انظر الروض المعطار ٨٧.
(٢) كلمة «بالذي فيه» لا توجد في أصل ه.
(٣) في ب ، ه «من عزة سلطانه ما سرّه».
(٤) في ب «رابطوا وصابروا» وفي ه «رابطوا وكابروا».
(٥) كذا في ب ، ه والروض المعطار ، وفي أ«وخاض البحار».
(٦) في الروض «إني رأيت إن أمكنتهم».
(٧) في الروض «فناجزوني بين جدرها».