امتد الزمان إليه بعدوانه ، وسد عليه أبواب سلوانه ، لم يحنّ إلا إليه ، ولم يتمن غير الحلول لديه (١) ، فقال : [الطويل]
غريب بأرض المغربين أسير |
|
سيبكي عليه منبر وسرير |
وتندبه البيض الصوارم والقنا |
|
وينهلّ دمع بينهنّ غزير |
مضى زمن والملك مستأنس به |
|
وأصبح منه اليوم وهو نفور |
برأي من الدهر المضلّل فاسد |
|
متى صلحت للصّالحين دهور |
أذلّ بني ماء السّماء زمانهم |
|
وذلّ بني ماء السّماء كبير |
فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة |
|
أمامي وخلفي روضة وغدير |
بمنبتة الزيتون مورثة العلا |
|
تغنّي حمام أو ترنّ طيور |
بزاهرها السّامي الّذي جاده الحيا |
|
تشير الثريّا نحونا ونشير |
ويلحظنا الزّاهي وسعد سعوده |
|
غيورين والصّبّ المحبّ غيور |
تراه عسيرا لا يسيرا مناله |
|
ألا كلّ ما شاء الإله يسير |
وقال الحجاري في «المسهب» إن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين أهدى إلى المعتمد جارية مغنية قد نشأت بالعدوة ، وأهل العدوة بالطبع يكرهون أهل الأندلس ، وجاء بها إلى إشبيلية وقد كثر الإرجاف بأن سلطان الملثّمين ينتزع بلاد ملوك الطوائف منهم ، واشتغل خاطر ابن عباد بالفكر في ذلك ، فخرج بها إلى قصر الزهراء (٢) على نهر إشبيلية ، وقعد على الراح ، فخطر بفكرها أن غنت عندما انتشى هذه الأبيات : [الكامل]
حملوا قلوب الأسد بين ضلوعهم |
|
ولووا عمائمهم على الأقمار |
وتقلّدوا يوم الوغى هندية |
|
أمضى إذا انتضيت من الأقدار (٣) |
إن خوّفوك لقيت كل كريهة |
|
أو أمّنوك حللت دار قرار |
فوقع في قلبه أنها عرّضت بساداتها ، فلم يملك غضبه ، ورمى بها في النهر ، فهلكت ، انتهى ، فقدر الله تعالى أن كان تمزيق ملكه على يدهم تصديقا للجارية في قولها :
إن خوّفوك لقيت كلّ كريهة
__________________
(١) في ه «ولم يتمن الحلول إلا لديه».
(٢) في ب ، ه «إلى قصر الزاهر».
(٣) الوغى : الحرب ، وانتضيت : سلت. والهندية : السيوف.