الروض فوشى بأسراره ، وأفشى حديث (١) آسه وعراره ، ومشى مختالا بين لبّات النّور وأزراره (٢) ، وهو وجم ، ودمعه منسجم ، وزفراته تترجم عن غرامه ، وتجمجم عن تعذر مرامه (٣) ، فلما نظر إليه استدناه وقربه ، وشكا إليه من الهجران ما استغربه ، وأنشده : [المتقارب]
أيا نفس لا تجزعي واصبري |
|
وإلا فإنّ الهوى متلف |
حبيب جفاك وقلب عصاك |
|
ولاح لحاك ولا منصف |
شجون منعن الجفون الكرى |
|
وعوّضنها أدمعا تنزف |
فانصرف ولم يعلمه بقصته ، ولا كشف له عن غصّته ، انتهى.
وقال الفتح أيضا : أخبرني ذخر الدولة بن المعتضد أنه دخل عليه في ليلة قد ثنى (٤) السرور منامها ، وامتطى الحبور غاربها وسنامها (٥) ، وراع الأنس فؤادها ، وستر بياض الأماني سوادها ، وغازل نسيم الروض زوارها وعوّادها ، ونور السراج (٦) قد قلّص أذيالها ، ومحا من لجين الأرض نيالها ، والمجلس مكتس بالمعالي ، وصوت المثاني والمثالث عالي ، والبدر قد كمل ، والتحف بضوئه القصر واشتمل ، وتزين بسناه وتجمل ، فقال المعتمد : [الكامل]
ولقد شربت الرّاح يسطع نورها |
|
والليل قد مدّ الظلام رداء |
حتى تبدّى البدر في جوزائه |
|
ملكا تناهى بهجة وبهاء |
وتناهضت زهر النجوم يحفّه |
|
لألاؤها فاستكمل اللألاء |
لما أراد تنزها في غربه |
|
جعل المظلة فوقه الجوزاء (٧) |
وترى الكواكب كالمواكب حوله |
|
رفعت ثريّاها عليه لواء |
وحكيته في الأرض بين كواكب |
|
وكواعب جمعت سنا وسناء (٨) |
إن نشرت تلك الدروع حنادسا |
|
ملأت لنا هذي الكؤوس ضياء |
وإذا تغنت هذه في مزهر |
|
لم تأل تلك على التّريك غناء |
__________________
(١) في ه «أحاديث آسه وعراره».
(٢) النّور : الزهر الابيض.
(٣) في ه «عن غرام» و «تعذر مرام».
(٤) في ج «قد امتنى السرور منامها».
(٥) الحبور : السرور. والغارب : الكاهل.
(٦) في ب ، ه «ونور السّرج» وهو جمع سراج.
(٧) في ج «لما أراد تنزها في غربة».
(٨) السنا : الضوء الشديد. والسناء : العلوّ والرفعة.