من مؤمل غاية بعيدة ، ومنتسب إلى نسبة (١) غير سعيدة ، وشانىء غمرته من الكفار ، خدام الماء وأولياء النار ، تحكمت فيهم أطراف العوالي وصدور الشّفار (٢) ، وتحصل منهم من تخطاه الحمام في قبضة الإسار ، فعجبنا من تيسير هذا المرام ، وإخماد الله لهذا الضّرام ، وقلنا : تكييف لا يحصل في الأوهام ، وتسديد لا تستطيع إصابته السهام ، كلما قدح الخلاف زندا أطفأ سعدكم شعلته ، أو أظهر الشتات ألما أبرأ يمن طائركم علته ، ما ذاك إلا لنية صدقت معاملتها في جنب الله تعالى وصحت ، واسترسلت بركتها وسحّت ، وجهاد نذرتموه إذا فرغت شواغلكم وتمت ، واهتمام بالإسلام يكفيه الخطوب التي أهمّت ، فنحن نهنيكم بمنح الله ومننه ونسأله أن يلبسكم من إعانته (٣) أوقى جننه ، فأملنا أن تطرد آمالكم ، وتنجح في مرضاة الله أعمالكم فمقامكم هو العمدة التي يدفع العدوّ بسلاحها ، وتنبلج (٤) ظلمات صفاحها ، وكيف لا نهنيكم بصنع على جهتنا يعود ، وبآفاقنا تطلع منه السعود ، فتيقنوا ما عندنا من الاعتقاد الذي رسومه قد استقلت واكتفت ، وديمه بساحة الود قد وكفت (٥) ، والله عز وجل يجعل لكم الفتوح عادة ، ولا يعدمكم عناية وسعادة ، وهو سبحانه يعلي مقامكم ، وينصر أعلامكم ، ويهني الإسلام أيامكم ، والسلام الكريم يخصكم ، ورحمة الله وبركاته. انتهى.
وكان سلطان الأندلس في الأزمان المتأخرة كثيرا ما يشم أرج (٦) الفرج في سلم الكفار ومهادنتهم ، حيث لم يقدر في الغالب على مقاومتهم ، ولذلك لما قتل السلطان أبو الحجاج الذي كان لسان الدين كاتبه ووزيره ، وقام بالأمر بعده ابنه محمد الغني بالله الذي ألقى مقاليده للسان الدين ـ أكّد أمر السلم ، وانتظم ما يبرمه القضاء الجزم ، والقدر الحتم.
ومن إنشاء لسان الدين في ذلك على لسان الغني مخاطبا لسلطان فاس والمغرب أبي عنان ما صورته :
المقام الذي يغني عن كل مفقود بوجوده ، ويهز إلى جميل العوائد أعطاف بأسه وجوده ، ونستضيء (٧) عند إظلام الخطوب بنور سعوده ، ونرث من الاعتماد عليه أسنى ذخر يرثه الولد
__________________
(١) في ب «إلى نصبة».
(٢) العوالي : الرماح. والشفار : السيوف.
(٣) في أصل ه «اعتنائه أو في جنته» والجنن : الدروع.
(٤) انبلج : اشتد ظهوره ، ووضح.
(٥) الديم : جمع ديمة ، وهي المطر الدائم.
ووكفت : تتابع نزولها.
(٦) الأرج : الريح الطيبة.
(٧) في نسخة عن ه «ونستضيء عن إظلام الخطوب» وما أثبتناه أحسن ، وهو في النسخ كلها.