بمثله ، وتقصر ديار الملوك المؤثلة النعمة عن بعضه فضلا عن كله ، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
رجع : ولما أخذت قواعد الأندلس مثل قرطبة وإشبيلية وطليطلة ومرسية وغيرها انحاز أهل الإسلام إلى غرناطة والمرية ومالقة ونحوها ، وضاق الملك بعد اتساعه ، وصار تنين العدوّ يلتقم كل وقت بلدا أو حصنا ، ويهصر من دوح تلك البلاد غصنا ، وملك هذا النزر اليسير الباقي من الجزيرة ملوك بني الأحمر ، فلم يزالوا مع العدوّ في تعب وممارسة كما ذكره ابن عاصم قريبا ، وربما أثخنوا في الكفار كما علم في أخبارهم ، وانتصروا بملوك فاس بني مرين ، في بعض الأحايين.
ولما قصد ملوك الإفرنج السبعة في المائة الثامنة غرناطة ليأخذوها اتفق أهلها على أن يبعثوا لصاحب المغرب من بني مرين يستنجدونه ، وعينوا للرسالة الشيخ أبا إسحاق بن أبي العاص والشيخ أبا عبد الله الطنجالي والشيخ ابن الزيات البلشي. نفع الله تعالى بهم! ثم بعد سفرهم نازل الإفرنج غرناطة بخمسة وثلاثين ألف فارس ونحو مائة ألف راجل مقاتل ، ولم يوافقهم سلطان المغرب ، فقضى الله تعالى ببركة المشايخ الثلاثة أن كسر النصارى في الساعة التي كسر خواطرهم فيها صاحب المغرب (١) ، وظهرت في ذلك كرامة لسيدي أبي عبد الله الطنجالي رحمه الله تعالى!.
ثم إن بني الأحمر ملوك الأندلس الباقية بعد استيلاء الكفار على الجل كانوا في جهاد وجلاد في غالب أوقاتهم ، ولم يزل ذلك شأنهم حتى أدرك دولتهم الهرم الذي يلحق الدول ، فلما كان زمان السلطان أبي الحسن علي بن سعد النّصري الغالبي الأحمري ، واجتمعت الكلمة عليه بعد أن كان أخوه أبو عبد الله محمد بن سعد المدعوّ بالزّغل (٢) قد بويع بمالقة ، بعد أن جاء به [بعض](٣) القوّاد من عند النصارى وبقي بمالقة برهة من الزمان (٤) ، ثم ذهب إلى أخيه ، وبقى من بمالقة من القوّاد (٥) والرؤساء فوضى ، وآل الحال إلى أن قامت مالقة بدعوة السلطان أبي الحسن ، وانقضت الفتنة ، واستقلّ السلطان أبو الحسن بملك ما بقي بيد المسلمين من بلاد الأندلس ، وجاهد المشركين ، وافتتح عدّة أماكن ، ولاحت له بارقة الكرة على العدوّ الكافر ، وخافوه ، وطلبوا هدنته ، وكثرت جيوشه ، فأجمع على عرضها كلها بين يديه ، وأعدّ لذلك
__________________
(١) في ه «ملك المغرب».
(٢) في نسخة «المدعو بالرغل» تحريف.
(٣) «بعض» ساقطة من ب.
(٤) برهة من الزمن : فترة من الزمن.
(٥) في ه «من الرؤساء والقواد».