وأخبرني ابن إقبال الدولة [بن مجاهد](١) أنه كان عنده في يوم قد نشر من غيمه رداء ندّ (٢) ، وأسكب من قطره ماء ورد ، وأبدى من برقه لسان نار ، وأظهر من [قوس] قزحه حنايا قوس (٣) آس حفت بنرجس وجلّنار ، والروض قد بعث ريّاه ، وبث الشكر لسقياه ، فكتب إلى الطبيب الأديب أبي محمد المصري : [الخفيف]
أيها الصاحب الذي فارقت عي |
|
ني ونفسي منه السّنا والسناء |
نحن في المجلس الذي يهب الرا |
|
حة والمسمع الغنى والغناء |
نتعاطى التي تنسّي من الرّقّ |
|
ة واللذة الهوى والهواء |
فأته تلف راحة ومحيا |
|
قد أعدّا لك الحيا والحياء |
فوافاه وألفى مجلسه وقد أتلعت فيه الأباريق أجيادها (٤) ، وأقامت فيه خيل السرور طرادها ، وأعطته الأماني انطباعها وانقيادها ، وأهدت الدنيا ليومه مواسمها وأعيادها ، وخلعت عليه الشمس شعاعها ، ونشرت فيه الحدائق إيناعها ، فأديرت الراح ، وتعوطيت الأقداح ، وخامر النفوس الابتهاج والارتياح ، وأظهر المعتمد من إيناسه ، ما استرق به نفوس جلّاسه ، ثم دعا بكبير ، فشربه كما غربت الشمس في ثبير (٥) ، وعندما تناولها ، قام المصري ينشد أبياتا تمثلها : [البسيط]
اشرب هنيئا عليك التّاج مرتفقا |
|
بشاذمهر ودع غمدان لليمن (٦) |
فأنت أولى بتاج الملك تلبسه |
|
من هوذة بن عليّ وابن ذي يزن |
فطرب حتى زحف عن مجلسه ، وأسرف في تأنسه ، وأمر فخلعت عليه خلع لا تصلح إلا للخلفاء ، وأدناه حتى أجلسه مجلس الأكفاء ، وأمر له بدنانير عددا ، وملأ له بالمواهب يدا.
__________________
(١) ما بين حاصرتين زيادة من القلائد.
(٢) الند : عود يتبخّر به.
(٣) في ه «جناء آس حف» وفي نسخة «خبايا آس حفت»
(٤) في ب «أتلعت فيه أباريقه أجيادها» وأتلعت : دفعت ونصبت.
(٥) في ب ، ه «فشربه كالشمس غربت في ثبير» وثبير : اسم جبل. انظر معجم البلدان.
(٦) في ج ، ه «عليك التاج مرتفعا». هذا صدر بيت هو بتمامه :
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا |
|
في رأس غمدان دارا منك محلالا |
وشاذمهر : مدينة أو موضع بنيسابور انظر معجم البلدان لياقوت.