إهلاك لآخرته ، وأعلم أن بعض الملوك الحكماء الأكابر البصراء بطريق تحصيل الملك قال : من جاد ساد ، ومن ساد قاد ، ومن قاد ملك البلاد ، فلما ألقى الكاتب هذا الكلام على السلطان يوسف بلغته فهمه وعلم صحته ، فقال للكاتب : أجب القوم ، واكتب بما يجب في ذلك ، واقرأ على كتابك ، فكتب الكاتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يوسف بن تاشفين ، سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، تحية من سالمكم وسلّم عليكم ، وإنكم مما في أيديكم من الملك في أوسع إباحة ، مخصوصين منا بأكرم إيثار وسماحة ، فاستديموا وفاءنا بوفائكم ، واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم ، والله ولي التوفيق لنا ولكم ، والسلام ، فلما فرغ من كتابه قرأه على يوسف بن تاشفين بلسانه ، فاستحسنه (١) ، وقرن به ما يصلح لهم من التحف ودرق اللّمط التي لا توجد إلا ببلاده ، وأنفذ ذلك إليهم ، فلما وصلهم ذلك وقرؤوا كتابه فرحوا به ، وعظموه ، وسرّوا بولايته ، وتقوّت نفوسهم على دفع الفرنج عنهم ، وأزمعوا إن رأوا من الفرنج ما يريبهم أنهم يرسلون إلى يوسف بن تاشفين ليعبر إليهم (٢) ، أو يمدّهم بإعانة منه.
وكان ملك الإفرنج الأذفونش لما وقعت الفتنة بالأندلس وثار الخلاف ، وكان كل من حاز بلدا وتقوّى فيه ملكه وادعى الملك وصاروا (٣) مثل ملوك الطوائف ، فطمع فيهم الأذفونش بسبب ذلك ، وأخذ كثيرا من ثغورهم ، فقوي شأنه ، وعظم سلطانه ، وكثرت عساكره ، وأخذ طليطلة من صاحبها القادر بالله بن المأمون يحيى بن ذي النون بعد أن حاصرها سبع سنين ، وكان أخذه لها في منتصف محرم سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، فزاد لعنه الله تعالى بملكه طليطلة قوّة إلى قوّته ، وأخذ يجوس خلال الديار ، ويستفتح المعاقل والحصون.
قال ابن الأثير في «الكامل (٤)» : وكان المعتمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس ، ومتملك (٥) أكثر بلادها ، مثل قرطبة وإشبيلية ، وكان ـ مع ذلك ـ يؤدي الضريبة إلى الأذفونش كل سنة ، فلما تملك الأذفونش طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة المعتادة ، فلم يقبلها منه ، وأرسل إليه يهدّده ويتوعده بالمسير إلى قرطبة ليفتحها ، إلا أن يسلم إليه جميع الحصون المنيعة (٦) ، ويبقي السهل للمسلمين ، وكان الرسول في جمع كثير نحو خمسمائة فارس ، فأنزله المعتمد ، وفرق
__________________
(١) في ه «فاستحسن».
(٢) في ج «يعبر إليهم».
(٣) في ب ، ه «وصار مثل ملوك الطوائف».
(٤) الكامل في التاريخ.
(٥) في الكامل «وكان يملك أكثر البلاد».
(٦) في الكامل «الحصون التي بالجبل».