ولمّا التقينا للوداع غديّة |
|
وقد خفقت في ساحة القصر رايات |
بكينا دما حتّى كأنّ عيوننا |
|
لجري الدّموع الحمر منها جراحات (١) |
وقد زارتني هذه الليلة في مضجعي وأبرأتني من توجّعي ومكنتني من رضابها ، وفتنتني بدلالها وخضابها ، فقلت : [الطويل]
أباح لطيفي طيفها الخدّ والنّهدا |
|
فعضّ بها تفّاحة واجتنى وردا (٢) |
ولو قدرت زارت على حال يقظة |
|
ولكن حجاب البين ما بيننا مدّا |
أما وجدت عنّا الشّجون معرّجا |
|
ولا وجدت منّا خطوب النّوى بدّا |
سقى الله صوب القطر أمّ عبيدة |
|
كما قد سقت قلبي على حرّه بردا |
هي الظّبي جيدا ، والغزالة مقلة ، |
|
وروض الربا عرفا ، وغصن النّقا قدّا |
فكرر استجادته ، وأكثر استعادته ، فأمر له بخمسمائة دينار وولاه لورقة من حينه.
قال الفتح (٣) : وأخبرني ابن اللبانة أنه استدعاه ليلة إلى مجلس قد كساه الروض وشيه ، وامتثل الدهر فيه أمره ونهيه ، فسقاه الساقي وحيّاه ، وسفر له الأنس عن مونق محيّاه ، فقام للمعتمد مادحا ، وعلى دوحة تلك النعماء صادحا ، فاستجاد قوله ، وأفاض عليه طوله ، فصدر وقد امتلأت يداه ، وغمره جوده ونداه ، فلما حل بمنزله وافاه رسوله بقطيع وكاس من بلار ، قد أترعا بصرف العقار ، ومعهما : [الكامل]
جاءتك ليلا في ثياب نهار |
|
من نورها وغلالة البلّار |
كالمشتري قد لفّ من مرّيخه |
|
إذ لفّه في الماء جذوة نار |
لطف الجمود لذا وذا فتألّفا |
|
لم يلق ضد ضده بنفار |
يتحيّر الراءون في نعتيهما |
|
أصفاء ماء أم صفاء دراري |
وقال الفتح أيضا : وأخبرني ذخر الدولة أنه استدعاه في ليلة قد ألبسها البدر رواءه ، وأوقد فيها أضواءه ، وهو على البحيرة (٤) الكبرى ، والنجوم قد انعكست فيها تخالها زهرا ، وقابلتها المجرة فسالت فيها نهرا ، وقد أرجت نوافج الند (٥) ، وماست معاطف الرّند ، وحسد النسيم
__________________
(١) في ه «تجري الدموع الحمر منها جراحات».
(٢) في ه «فعض به تفاحة».
(٣) القلائد ص ٦.
(٤) في ج «الحيرة الكبرى».
(٥) في ج «نوافح» بالمهملة. والنوافج : جمع نافجة ، وهي وعاء المسك.