وقال أبو عمران بن سعيد : أخبرني والدي أنه زار ابن حمدين بقرطبة في مدة يحيى بن غانية ، قال فوجدته في هالة من العلماء والأدباء ، فقام وتلقّاني ، ثم قال : يا أبا عبد الله ، ما هذا الجفاء؟ فاعتذرت بأني أخشى التثقيل ، وأعلم أنّ سيدي مشغول بما هو مكبّ عليه ، فأطرق قليلا ثم قال : [الكامل]
لو كنت تهوانا طلبت لقاءنا |
|
ليس المحبّ عن الحبيب بصابر |
فدع المعاذر إنما هي جنّة |
|
لمخادع فيها ، ولست بعاذر (١) |
فقلت : تصديق سيدي عندي أحبّ إليّ وإن ترتبت عليّ فيه الملامة من منازعته منتصرا لحقّي ، فاستحسن جوابي ، وقال لي : كرره فإنه والله ماح لكل ذنب ، ثم سألته كتب البيتين عنه ، فقال لي : وما تكتب فيهما؟ فقلت : [أليس في الإنعام ذلك](٢) لأجد ما أخبر به والدي إذا أبت إليه؟ فأملاهما عليّ ، فقلت : من قائلهما؟ قال : قائلهما ، فعلمت أنهما له ، وقنعت بذلك.
وقال الحجاري صاحب «المسهب» ، في أخبار المغرب» : [الكامل]
كم بتّ من أسر السّهاد بليلة |
|
ناديت فيها هل لجنحك آخر |
إذ قام هذا الصبح يظهر ملّة |
|
حكمت بأن ذبح الظلام الكافر |
وعلى ذكر «المسهب» فقد كنت كثيرا ما أستشكل هذه التسمية ، لما قال غير واحد : إنّ المسهب إنما هو بفتح الهاء ، كقولهم سيل مفعم ـ بفتح العين ـ والفقرة الثانية وهي «المغرب» تقتضي أن يكون بكسر الهاء ، ولم يزل ذلك يتردّد في خاطري إلى أو وقفت على سؤال في ذلك رفعه المعتمد بن عبّاد سلطان الأندلس إلى الفقيه الأستاذ أبي الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي الشنتمري المشهور بالأعلم ، ونص السؤال:سألك ـ أبقاك الله ـ الوزير الكاتب أبو عمرو بن غطمش (٣) ، سلّمه الله ، عن «المسهب» وزعم أنك تقول بالفتح والكسر ، والذي ذكر ابن قتيبة في «أدب الكاتب» والزبيدي في «مختصر العين» أسهب الرجل فهو مسهب إذا أكثر الكلام ، بالفتح خاصّة ، فبيّن لي ـ أبقاك الله تعالى! ـ ما تعتقد فيه ، وإلى أي كتاب تسند القولين ، لأقف على صحّة من ذلك.
فأجابه : وصل إليّ ـ أدام الله تعالى توفيك! ـ هذا السؤال العزيز ، ووقفت على ما
__________________
(١) في ه : «ولست بغادر».
(٢) ما بين حاصرتين ساقط من ب.
(٣) كذا في أ، ب. وفي ه : «غمطش».