في حسن العقبى والمآل ، ونصر فئة الهدي على فئة الضلال ، وما قل من كان الحقّ كنزه ، ولا ذلّ من استمد من الله عزّه (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة : ٥٢] ودعاء من قبلكم من المسلمين مدد موفور ، والله سبحانه على كل حال محمود مشكور. انتهى.
ومن أخرى طويلة من جملتها ما صورته :
وقد اتصل بنا الخبر الذي يوجب نصح الإسلام ، ورعي الجوار والذّمام ، وما جعل الله تعالى للمأموم على الإمام ، إيقاظكم من مراقدكم المستغرقة ، وجمع أهوائكم المتفرقة ، وتهييئكم إلى مصادمة الشدائد المرعدة المبرقة ، وهو أن كبير دين النصرانية الذي إليه ينقادون ، وفي مرضاته يصادقون ويعادون ، وعند رؤية صليبه يكبرون ويسجدون ، لما رأى الفتن قد أكلتهم خضما وقضما (١) ، وأوسعتهم هضما ، فلم تبق عصبا ولا عظما ، ونثرت ما كان نظما ، أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق ، ويرفع ما طرق ، ويرفو ما مزّق الشتات وخرق (٢) ، فرمى الإسلام بأمة عددها القطر المنثال ، وأمرهم وشأنهم الامتثال ، أن يدمنوا (٣) لمن ارتضاه من أمته الطاعة ، ويجمعوا في ملته الجماعة ، ويطلع الكل على هذه الفئة القليلة الغريبة بغتة كقيام الساعة ، وأقطعهم قطع الله تعالى بهم العباد والبلاد ، والطارف والتّلاد (٤) ، وسوّغهم الحريم والأولاد ، وبالله تعالى نستدفع ما لا نطيقه ، ومنه نسأل عادة الفرج فما سدّت طريقه ، إلا أنا رأينا غفلة الناس مؤذنة البوار (٥) ، وأشفقنا للدين المنقطع من وراء البحار ، وقد أصبح مضغة في لهوات الكفار ، وأردنا أن نهزكم بالموعظة التي تكحل البصائر بميل الاستبصار ، فإن جبر الله تعالى الخواطر بالضراعة إليه والانكسار ، ونسخ الإعسار بالإيسار ، وأنجد اليمين بأختها اليسار ، وإلا فقد تعين في الدنيا والآخرة حظ الخسار ، فإن من ظهر عليه عدو دين الله تعالى وهو من الله مصروف ، وبالباطل مشغوف ، وبغير العرف معروف ، وعلى الحطام المسلوب عنه ملهوف ، فقد تلّه (٦) الشيطان للجبين ، وقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، ومن نفذ فيه أوله قدر الله عن أداء الواجب وبذل المجهود ، وأفرد بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود ، ووطّن النفس على الشهادة المبوّئة دار الخلود ، العائدة بالحياة الدائمة والوجود ، أو الظهور
__________________
(١) خضم الطعام : قطعه وأكله. والقضم : التقطيع بأطراف الأسنان.
(٢) يرفو : يرقع. وخرّق : مزّق.
(٣) يدمنوا : هنا : يديموا.
(٤) الطارف : الجديد المستحدث ، والتلاد : القديم الموروث.
(٥) البوار : الهلاك.
(٦) تلّه للجبين : أي أكبه على وجهه وفي القرآن الكريم (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ).