ولم يزل أهل الأندلس بعد ظهور النصارى ـ دمرهم الله تعالى! ـ على كثير منها يستنهضون عزائم الملوك والسوقة لأخد الثار ، بالنظم والنثار ، فلم ينفعهم ذلك حتى اتسع الخرق ، وأعضل الداء أهل الغرب والشرق ، فمن القصائد الموجهة في ذلك قول بعضهم لما أخذت بلنسية يخاطب صاحب إفريقية أبا زكريا عبد الواحد (١) بن أبي حفص : [الكامل]
نادتك أندلس فلبّ نداءها |
|
واجعل طواغيت الصليب فداءها |
صرخت بدعوتك العلية فاحبها |
|
من عاطفاتك ما يقي حوباءها (٢) |
واشدد بجلبك جرد خيلك أزرها |
|
تردد على أعقابها أرزاءها |
هي دارك القصوى أوت لإيالة |
|
ضمنت لها مع نصرها إيواءها |
وبها عبيدك لا بقاء لهم سوى |
|
سبل الضّراعة يسلكون سواءها |
خلعت قلوبهم هناك عزاءها |
|
لما رأت أبصارهم ما ساءها |
دفعوا لأبكار الخطوب وعونها |
|
فهم الغداة يصابرون عناءها (٣) |
وتنكرت لهم الليالي فاقتضت |
|
سرّاءها وقضتهم ضرّاءها |
تلك الجزيرة لا بقاء لها إذا |
|
لم يضمن الفتح القريب بقاءها |
رش أيها المولى الرحيم جناحها |
|
واعقد بأرشية النجاة رشاءها (٤) |
أشفى على طرف الحياة ذماؤها |
|
فاستبق للدين الحنيف ذماءها (٥) |
حاشاك أن تفنى حشاشتها وقد |
|
قصرت عليك نداءها ورجاءها |
طافت بطائفة الهدى آمالها |
|
ترجو بيحيى المرتضى إحياءها |
واستشرقت أمصارها لإمارة |
|
عقدت لنصر المستضام لواءها |
يا حسرتي لعقائل معقولة |
|
سئم الهدى نحو الضلال هداءها |
إيه بلنسية وفي ذكراك ما |
|
يمري الشؤون دماءها لا ماءها |
__________________
(١) في ب «أبا زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص».
(٢) الحوباء : النفس.
(٣) الأبكار : جمع بكر. والعون : جمع عوان ، وهي المرأة المتوسطة في السن. وأراد هنا المصيبة التي عرفها الناس وذاقوا مرارتها مرة بعد مرة.
(٤) راش جناحه : أنبت ريش جناحه. والأرشية : جم رشاء وهو الحبل.
(٥) الذماء : بقية الروح في البدن.