يرجع أهل بلش عما عاهدوا عليه أهل غرناطة وسائر الأندلس من العهود والمواثيق.
وخرج صاحب قشتالة قاصدا بلش مالقة ، ونزل عليها في ربيع الثاني سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وحاصرها ، ولما صح عند صاحب غرناطة ذلك اجتمع بالناس ، فأشاروا بالمسير لإغاثة بلش (١) للعهد الذي عقدوه ، وأتى أهل وادي آش وغيرها وحشود البشرات ، وخرج صاحب غرناطة منها في الرابع والعشرين لربيع الثاني من السنة ، ووصل بلش ، فوجد العدو نازلا عليها برا وبحرا ، فنزل بجبل هنالك ، وكثر لغط الناس (٢) ، وحملوا على النصارى من غير تعبية (٣) ، وحين حركتهم للحملة بلغ الزّغل (٤) أن غرناطة بايعت صاحب البيازين ، فالتقوا مع النصارى فشلين وقبل الالتحام انهزموا ، وتبددت جموعهم مع كون النصارى خائفين وجلين منهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فرجعوا منهزمين ، وقد شاع عند الخواص ثورة غرناطة على السلطان ، فقصدوا وادي آش ، وعاد النصارى إلى بلش بعد أن كانوا رتبوا جيوشهم للقاء السلطان ، وأهل غرناطة ، فلما عادوا إلى بلش دخلوا عنوة ربضها ، وضيقوا بها ، وكانت ثورة غرناطة خامس جمادى الأولى.
ولما رأى أهل بلش تكالب العدو عليهم وإدبار جيوش المسلمين عنهم طلبوا الأمان ، فخرجوا يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى من السنة ، وأطاعت النصارى جميع البلاد التي بشرقي مالقة وحصن قمارش.
ثم انتقل العدو إلى حصار مالقة ، وكان أهل مالقة قد دخلوا في الصلح وأطاعوا صاحب البيازين ، وأتى إليها النصارى بالميرة (٥) ، ولما نزل بلش بعثوا هدية لصاحب قشتالة مع قائدهم وزير صاحب البيازين وقائد شريش الذي كان مأسورا عندهم ، فلم يلتفت إليهم صاحب قشتالة لقيام جبل فاره وهو حصن مالقة بدعوة صاحب وادي آش ، وارتحل صاحب قشتالة إلى مالقة ونازلها برا وبحرا ، وقاتله أهلها قتالا عظيما بمدافعهم وعدتهم وخيلهم ورجلهم (٦) ، وطال الحصار حتى أداروا على مالقة من البر الخنادق والسور والأجفان من البحر ، ومنع الداخل إليها ولم يدخلها غير جماعة من المرابطين حال الحصار ، وحاربوا حربا شديدا ، وقربوا المدافع ودخلوا الأرباض ، وضيقوا عليهم بالحصار إلى أن فني ما عندهم من الطعام فأكلوا المواشي
__________________
(١) في بعض النسخ «لإعانة بلش».
(٢) اللغط : الصوت والجلبة والضجة.
(٣) من غير تعبئة : من غير استعداد وتجهيز.
(٤) في ب «بلغ السلطان الزغل».
(٥) الميرة ـ بكسر الميم ـ الزاد والطعام.
(٦) الرجل : جمع راجل. وهو المقاتل وليس لديه فرس.