قال : وما هو؟ قالوا : نكتب إلى عرب إفريقية ، ونبذل لهم إذا وصلوا إلينا شطر أموالنا ، ونخر معهم مجاهدين في سبيل الله ، فقال لهم : إنا نخشى إن وصلوا إلينا أن يخربوا بلادنا كما فعلوا بإفريقية ، ويتركوا الإفرنج ويبدؤوا بنا ، والمرابطون أصلح منهم ، وأقرب إلينا ، فقالوا له : فكاتب أمير المسلمين ، واسأله العبور إلينا أو إعانتنا بما تيسر من الجند ، فبينما هم في ذلك يتراوضون إذ قدم عليهم المعتمد بن عباد قرطبة ، فعرض عليه القاضي ابن أدهم ما كانوا فيه ، فقال له المعتمد ابن عباد : أنت رسولي إليه في ذلك ، فامتنع ، وإنما أراد أن يبرئ نفسه من ذلك ، فألح عليه المعتمد ، فسار إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، فوجده بسبتة ، وأبلغه الرسالة ، وأعلمه بما فيه المسلمون من الخوف من الأذفونش ، ففي الحال أمر بعبور العساكر إلى الأندلس ، وأرسل إلى مراكش في طلب من بقي من العساكر ، فأقبلت إليه يتلو بعضها (١) بعضا ، فلما تكاملت عنده عبر البحر ، واجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية ، وكان المعتمد قد جمع عساكره أيضا ، وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير ، وقصده المطّوّعة من سائر بلاد الأندلس ، ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع عساكره ، وحشد جنوده ، وسار من طليطلة ، وكتب إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كتابا كتبه له بعض غواة أدباء المسلمين يغلظ له في القول ، ويصف ما معه من القوة والعدد والعدد ، وبالغ في ذلك ، فلما وصله (٢) وقرأه يوسف أمر كاتبه أبا بكر بن القصيرة أن يجيبه ، وكان كاتبا مفلقا ، فكتب وأجاد ، فلما قرأه على أمير المسلمين قال : هذا كتاب طويل ، وأحضر كتاب الأذفونش (٣) وكتب في ظهره : الذي يكون ستراه ، وأرسله إليه ، فلما وقف عليه الأذفونش ارتاع له ، وعلم أنه بلي برجل لا طاقة له به.
وذكر ابن خلكان (٤) أن يوسف بن تاشفين أمر بعبور الجمال فعبر منها ما أغصّ الجزيرة ، وارتفع رغاؤها إلى عنان السماء ، ولم يكن أهل الجزيرة رأوا جملا قط ولا خيلهم ، فصارت الخيل تجمح من رؤية الجمال ومن رغائها ، وكان ليوسف في عبور الجمال رأي مصيب ، فكان يحدق بها عسكره ، ويحضرها للحرب ، فكانت خيل الفرنج تجمح منها ، وقدم يوسف بين يديه كتابا للأذفونش يعرض عليه فيه الدخول في الإسلام أو الجزية أو الحرب ، كما هي السنة ، ومن جملة ما في الكتاب : بلغنا يا أذفونش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا ، وتمنيت أن تكون لك
__________________
(١) في ه «نتلو بعضها بعضا».
(٢) في ج «فلما وصل وقرأه».
(٣) في ب ، ه «أحضر كتاب الأذفونش وأكتب في ظهره».
(٤) وفيات الأعيان ٦ / ١١٥.