وقد تقدم شيء من هذا فيما مر من هذا الكتاب.
وقد حكى ابن بدرون (١) في شرح العبدونية أن المأمون يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة بنى بها قصرا تأنق في بنائه ، وأنفق فيه مالا كثيرا ، وصنع فيه بحيرة ، وبنى في وسطها قبة ، وسيق الماء إلى رأس القبة على تدبير أحكمه المهندسون ، فكان الماء ينزل من أعلى القبة حواليها محيطا بها متصلا بعضه ببعض ، فكانت القبة في غلالة من ماء سكب (٢) لا يفتر ، والمأمون بن ذي النون قاعد فيها لا يمسه من الماء شيء ، ولو شاء أن يوقد فيها الشمع لفعل ، فبينما هو فيها إذ سمع منشدا ينشد : [الطويل]
أتبني بناء الخالدين ، وإنما |
|
بقاؤك فيها ، لو علمت ، قليل |
لقد كان في ظل الأراك كفاية |
|
لمن كلّ يوم يعتريه رحيل |
فلم يلبث بعد هذا إلا يسيرا حتى قضى نحبه ، انتهى.
وقال ابن خلكان (٣) إن طليطلة أخذت يوم الثلاثاء مستهل صفر سنة ٤٧٨ بعد حصار شديد ، انتهى.
وقال ابن علقمة : إن طليطلة أخذت يوم الأربعاء لعشر خلون من المحرم سنة ٤٧٨ ، وكانت وقعة الزلّاقة في السنة بعدها (٤) ، انتهى.
وقد رأيت (٥) أن أذكر هنا وقعة الزلاقة التي نشأت عن أخذ طليطلة وما يتبع ذلك من كلام صاحب «الروض المعطار» (٦) وغيره فنقول : إنه لما ملك يوسف بن تاشفين اللمتوني المغرب ، وبنى مدينتي مراكش وتلمسان الجديدة ، وأطاعته البربر مع شكيمتها الشديدة ، وتمهدت له الأقطار الطويلة المديدة ، تاقت نفسه إلى العبور لجزيرة الأندلس ، فهمّ بذلك ، وأخذ في إنشاء المراكب والسفن ليعبر فيها ، فلما علم بذلك ملوك الأندلس كرهوا إلمامه بجزيرتهم ، وأعدوا له العدّة والعدد ، وصعبت عليهم مدافعته ، وكرهوا أن يكونوا بين عدوّين الفرنج عن شمالهم والمسلمين عن جنوبهم (٧) ، وكانت الفرنج تشتد وطأتها عليهم ، وتغير
__________________
(١) في ه «ابن بذرون».
(٢) سكب : أي ساكب.
(٣) وفيات الأعيان ٤ / ١١٨.
(٤) في ج «وكانت وقعة الزلاقة التي نشأت في السنة بعدها».
(٥) في ب «ورأيت أن أذكر».
(٦) انظر ابن خلكان ٦ : ١١٢ ، وأكثر النص منقول منه.
(٧) في ب ، ه «الفرنج من شمالهم والمسلمين من جنوبهم».