كأنّ الهواء غدير جمد |
|
بحيث البروق تذيب البرد |
خيوط وقد عقدت في الهواء |
|
وراحة ريح تحلّ العقد |
وشرب في دار ابن الأعلم في يوم لم ير الدهر فيه إساءة ، وليل نسخ نور أنسه مساءه ، ومعهم جملة من الشعراء ، وجماعة من الوزراء ، منهم أبناء القبطرنة فوقع بينهم عتاب وتعذال ، وامتهان في ميدان المشاجرة وابتذال ، آل به إلى تجريد السيف ، وتكدير ما صفا بذلك الخيف ، فسكنوه بالاستنزال ، وثنوه عن ذلك النزال.
وقال في المطمح في حق أبي بكر يحيى بن بقي القرطبي صاحب الموشحات البديعة : كان نبيل السيرة والنظام ، كثير الارتباط في سلكه والانتظام ، أحرز خصالا ، وطرّز بمحاسنه بكرا وآصالا ، وجرى في ميدان الإحسان إلى أبعد أمد وبنى من المعارف أثبت عمد ، إلا أن الأيام حرمته ، وقطعت حبل رعايته وصرمته ، فلم تتم له وطرا ، ولم تسجم عليه الحظوة مطرا ، ولا سوغت من الحرمة نصيبا ، ولا أنزلته مرعى خصيبا ، فصار راكب صهوات ، وقاطع فلوات ، لا يستقر يوما ، ولا يستحسن نوما ، مع توهم لا يظفره بأمان ، وتقلب ذهن كالزمان ، إلا أن يحيى بن علي بن القاسم نزعه من ذلك الطيش ، وأقطعه جانبا من العيش ، ورقاه (١) إلى سمائه ، وسقاه صيّب نعمائه ، وفيأه ظلاله ، وبوّأه أثر النعمة يجوس خلاله (٢) ، فصرف به أقواله ، وشرف بعواقبه فعاله ، وأفرده منها بأنفس در ، وقصده منها بقصائد غر ، انتهى المقصود جلبه من ترجمته في المطمح.
وقال في حقه في القلائد : رافع راية القريض ، وصاحب آية التصريح فيه والتعريض ، أقام شرائعه ، وأظهر روائعه ، وصار عصيّه طائعه ، إذا نظم أزرى (٣) بنظم العقود ، وأتى بأحسن من رقم البرود ، وطغى (٤) عليه حرمانه ، فما صفا له زمانه ، انتهى.
وابن بقي المذكور هو القائل :
بأبي غزال غازلته مقلتي |
|
بين العذيب وبين شطّي بارق |
الأبيات المذكورة في غير هذا الموضع.
ومن موشحاته قوله :
__________________
(١) في ب ، ه «وأرقاه».
(٢) في ه «تجوس خلاله».
(٣) في ب «زرى بنظم العقود».
(٤) في ب ، ه «وطفا عليه حرمانه ، وما صفا له زمانه».