وما رحلوا حتّى استفادوا نفوسنا |
|
كأنّهم كانوا أحقّ بها منّا (١) |
فيا ساكني نجد لتبعد داركم |
|
ظننّا بكم ظنّا فأخلفتم الظّنّا |
غدرتم ولم أغدر ، وخنتم ولم أخن |
|
وقلتم ولم أعتب ، وجرتم وما جرنا |
وأقسمتم أن لا تخونون في الهوى |
|
فقد وذمام الحبّ خنتم وما خنّا |
ترى تجمع الأيّام بيني وبينكم |
|
ويجمعنا دهر نعود كما كنّا |
فلما استتم إنشاده لحق بالسلطان واعتذر إليه بمريض خلّفه ، وهو يخاف تلفه ، فأذن له بالانصراف ، وكتب إلى أبي الحسين بن سراج : [الطويل]
أما والهدايا ما رحلنا ولا حلنا |
|
وإن عنّ من دون التّرحّل ما عنّا |
تركنا ثواب الغزو والقصد للعدى |
|
على مضض منّا وعدنا كما كنّا (٢) |
وليس لنا عنكم على البين سلوة |
|
وإن كان أنتم عندكم سلوة عنّا |
وجمعتنا عشية بربض الزجالي (٣) بقرطبة ، ومعنا لمة من الإخوان وهو في جملتهم ، مناهض لأعيانهم وحلّتهم (٤) ، بفضل أدبه ، وكثرة سحبه ، فجعل يرتجل ويروي ، وينشر محاسن الآداب ويطوي ، ويمتعنا بتلك الأخبار ، ويقطعنا منها جانب اعتبار ، ويطلعنا على إقبال الأيام وعلى الإدبار ، ثم قال : [الطويل]
أيا ابن عبيد الله يا ابن الأكارم |
|
لقد بخّلت يمناك صوب الغمائم |
لك القلم الأعلى الذي عطّل القنا |
|
وفلّ ظبات المرهفات الصّوارم |
وأخلاقك الزّهر الأزاهر بالرّبا |
|
ترفّ بشؤبوب الغيوث السّواجم (٥) |
بقيت لتشييد المكارم والعلى |
|
تظاهرها بالسّالف المتقادم |
واجتمع عند أبيه لمة من أهل الأدب ، وذوي المنازل والرتب ، في عشية غيم أعقب مطرا ، وخط فيها البرق أسطرا ، والبرد يتساقط كدرّ من نظام ، ويتراءى كثنايا غادة ذات ابتسام ، وهو غلام ما نضا برد شبابه ، ولا انتضى مرهف آدابه ، فقال معرضا بهم ، ومتعرضا لتحقق أدبهم : [المتقارب]
__________________
(١) في ب «حتى استقادوا نفوسنا».
(٢) في ب ، ه «تركنا ثواب الفضل والعز للعزى» وفي المطمح «للعرى».
(٣) في ج ، والمطمح «بربض الرحال».
(٤) في ب «وجلتهم».
(٥) ترف : تتمايل. وشؤبوب الغيث : الدفعة من المطر.