إلى أبي جعفر بن أمية ، وهي مشتملة على التلهف على الجزيرة الأندلسية ، حين أخذ العدوّ بلنسية ، وظهرت له مخايل الاستيلاء على ما بقي من الأندلس ، فراجعها فيما سبق ، وإن كان التناسب التام في ذكرها هنا فالمناسبة هناك حاصلة أيضا ، والله سبحانه الموفق.
وذكرنا هنالك أيضا جملة غيرها من كلامه ـ رحمه الله تعالى! ـ تتعلق بهذا المعنى وغيره ، فلتراجع ثمّة.
ورأيت أن أثبت هنا ما رأيته بخط الأديب الكاتب الحافظ المؤرخ أبي عبد الله محمد بن الحداد الوادي آشي نزيل تلمسان رحمه الله تعالى ما صورته : حدثني الفقيه العدل سيدي حسن ابن القائد الزعيم الأفضل سيدي إبراهيم العراف أنه حضر مرة لإنزال الطّلسم المعروف بفروج الرواح من العلية بالقصبة القديمة من غرناطة بسبب البناء والإصلاح ، وأنه عاينه من سبعة معادن مكتوبا فيه : [البسيط]
إيوان غرناطة الغرّاء معتبر |
|
طلّسمه بولاة الحال دوّار |
وفارس روحه ريح تدبّره |
|
من الجماد ، ولكن فيه أسرار |
فسوف يبقى قليلا ثمّ تطرقه |
|
دهياء يخرب منها الملك والدّار (١) |
وقد صدق قائل هذه الأبيات ، فإنه طرقت الدهياء ذلك القطر الذي ليس له في الحسن مثال ، ونسل (٢) الخطب إليه من كل حدب وانثال (٣) ، وكل ذلك من اختلاف رؤسائه وكبرائه ، ومقدّميه وقضاته وأمرائه ووزرائه ، فكلّ يروم الرياسة لنفسه ، ويجر نارها لقرصه ، والنصارى ـ لعنهم الله تعالى! ـ يضربون بينهم بالخداع والمكر والكيد ، ويضربون عمرا منهم بزيد ، حتى تمكنوا من أخذ البلاد ، والاستيلاء على الطارف والتلاد (٤) ، قال الرائس القاضي العلامة الكاتب الوزير أبو يحيى بن عاصم رحمه الله تعالى في كتابه «جنة الرضا ، في التسليم لما قدر الله تعالى وقضى» ما صورة محل الحاجة منه : ومن استقرأ التواريخ المنصوصة ، وأخبار الملوك المقصوصة ، علم أن النصارى ـ دمرهم الله تعالى! ـ لم يدركوا في المسلمين ثارا ، ولم يرحضوا (٥) عن أنفسهم عارا ، ولم يخربوا من الجزيرة منازل وديارا ، ولم يستولوا عليها بلادا جامعة وأمصارا ، إلا بعد تمكينهم لأسباب الخلاف ، واجتهادهم في وقوع الافتراق بين
__________________
(١) الدهياء : الداهية الشديدة.
(٢) نسل الخطب إليه : سارع إليه.
(٣) انثال : تواتر وتوادر وكثر.
(٤) الطارف : المستحدث. والتلاد : القديم.
(٥) لم يرحضوا : لم يغسلوا العار عن أنفسهم. وفي ج «ولم يدحضوا».