وهذا يدلك على أن الشعراء ، لم يسلم من لسانهم من أحسن فضلا عمن أساء ، من العظماء والرؤساء ، وما أمدح قول أبي محمد بن (١) غانم فيهم : [الكامل]
ومن الغريب غروب شمس في الثّرى |
|
وضياؤها باق على الآفاق |
وقال في المطمح في حق بني عباد وأوليتهم ما صورته : الوزير أبو القاسم محمد بن عباد ، هذه بقية منتماها في لخم ، ومرتماها إلى مفخر ضخم ، وجدّهم المنذر بن ماء السماء ، ومطلعهم في جوّ (٢) تلك السماء ، وبنو عباد ملوك أنس بهم الدهر ، وتنفس منهم عن أعبق الزهر ، وعمروا ربع الملك ، وأمروا بالحياة والهلك ، ومعتضدهم أحد من أقام وأقعد ، وتبوّأ كاهل الإرهاب واقتعد ، وافترش من عريسته (٣) ، وافترس من مكايد فريسته ، وزاحم بعود ، وهدّ كل طود (٤) ، وأخمل كل ذي زي وشارة ، وختل بوحي وإشارة ، ومعتمدهم كان أجود الأملاك ، وأحد نيّرات تلك الأفلاك ، وهو القائل ، وقد شغل عن منادمة خواص دولته بمنادمة العقائل : [البسيط]
لقد حننت إلى ما اعتدت من كرم |
|
حنين أرض إلى مستأخر المطر |
فهاتها خلعا أرضي السّماح بها |
|
محفوفة في أكفّ الشّرب بالبدر (٥) |
وهو القائل وقد حنّ في طريقه ، إلى فريقه : [الطويل]
أدار النوى كم طال فيك تلذّذي |
|
وكم عقتني عن دار أهيف أغيد |
حلفت به لو قد تعرض دونه |
|
كماة الأعادي في النسيج المسرّد |
لجرّدت للضرب المهنّد فانقضى |
|
مرادي وعزما مثل حد المهند |
والقاضي أبو القاسم هذا جدهم ، وبه سفر مجدهم ، وهو الذي اقتنص لهم الملك النافر ، واختصّهم منه بالحظ الوافر ، فإنه أخذ الرياسة من أيدي جبابر ، وأضحى من ظلالها أعيان أكابر ، عندما أناخت بها أطماعهم ، وأصاخت إليها أسماعهم ، وامتدت إليها من مستحقيها اليد ، وأتلعوا أجيادا زانها الجيد ، وفغر عليها فمه حتى هجا بيت العبدي ، وتصدى إليها من تحضر وتبدّى ، فاقتعد سنامها وغاربها ، وأبعد عنها عجمها وأعاربها ، وفاز من الملك
__________________
(١) في ب «أبي محمد غانم».
(٢) في ب «من جوّ ...».
(٣) العريسة ، بكسر العين وتشديد الراء مكسورة : مسكن الأسود.
(٤) الطود : الجبل العظيم المرتفع.
(٥) البدر : جمع بدرة ، وهي كيس توضع فيه كمية من النقود.