وحذفوا المبتدأ أخرى وأبقوا خبره ، وكلّ ذلك اختصار ؛ لعلم المخاطب بالمعنى ، وكذلك قولهم «هذا ولا زعماتك» أي هذا القول والزعم الحقّ ولا أتوهّم زعماتك ، فحذف هذا لعلم السامع مع تحصّل المعنى وقيامه عند المخاطب ، والحمل في كلامهم على المعنى أكثر من أن يحصى.
فإن كان الضمير الأول في المسألة للزنبور والضمير الآخر للعقرب لم يجز البتّة إلّا رفع الضميرين بالابتداء والخبر ، على حدّ قولك «ظننت زيدا عاقلا فإذا هو أحمق ، وحسبت عبد الله قاعدا فإذا هو قائم» ولو تقدّم ذكر الخبر والمخبر عنه لقلت «فإذا هو هو» ولم يجز فإذا هو إياه البتّة. ويجوز في (١) المسألة أن تقول «فإذا هي هو» على التقديم والتأخير على حدّ قولك «فإذا العقرب الزنبور» أي سواء في شدة اللسعة كما تقول «خرجت فإذا قائم زيد» على تقدير فإذا زيد قائم ، ويجوز أن يكون «هو» كناية عن اللسع بدلالة اللسعة عليه ، وتكون «هي» كناية عن اللسعة على تقدير : فإذا لسع الزنبور لسعة العقرب ، ويجوز «فإذا هي هو» على إضمار اللسعة واللسع ، والتقدير : فإذا لسعة الزنبور لسع العقرب ، وهذا كلّه لا يجوز فيه إلّا الرفع عند البصريين ؛ لأنّ الآخر هو الأول ، والخبر معرفة متعلّق بالمفاجأة فلا يجوز فيه الحال ، والكوفيون يجيزون النصب كما تقدّم ، وهو غلط بيّن ، وخطأ فاحش ، لا تقوله العرب ، ولا تعلّق له بقياس ، فاعلمه.
ويجوز في المسألة «فإذا هو هو» على تقدير : فإذا اللسع اللسع ، ويجوز «فإذا هي هي» على تقدير : فإذا اللسعة اللسعة ، وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى.
وأمّا نسب سيبويه ففارسي مولى لبني الحارث بن كعب بن علة بن خلدة بن مالك ، وهو مذحج ، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر ، وكنيته أبو بشر ، ولقبه الذي شهر به سيبويه ، ومعناها بالفارسية رائحة التفاح ، وكان من أطيب الناس رائحة ، وأجملهم وجها ، وقيل : معنى «سي» ثلاثون ، ومعنى «بويه» رائحة ، فكأنّ معناها : الذي ضوعف طيب رائحته ثلاثين مرّة.
وأما سبب تعويله على الخليل (٢) في طلب النحو ـ مع ما كان عليه من الميل إلى التفسير والحديث ـ فإنه سأل يوما حماد بن سلمة فقال له : أحدّثك هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف في الصلاة ، بضم العين ، فقال له حماد : أخطأت ، إنما هو رعف بفتح العين ، فانصرف
__________________
(١) في ه : «ويجوز في المسألة إذا قلت : فإذا هو ، لأبي أن يكون الضمير للزنبور والعقرب على حد قولك :الزنبور العقرب ، أي مثلها ، ويجوز : فإذا هي هو على التقديم والتأخير ... الخ.
(٢) الخليل هو الخليل بن أحمد الفراهيدي.