أخلق ، والعدوّ لها أهيب ومنها أفرق ، وما يستوي نسب مع البقل نبت ، وبالمستفيض من النقل ما ثبت ، وآخر علت سماؤه على اللمس ، ورسا ركنه في الإسلام رسوّ قواعده الخمس ، وكان كما قال أبو حنيفة في خبر المسيح : جاءنا مثل الشمس ، والأيام العمرية هي أم الوقائع المحكية ، ومن شاء عدها من اليرموكية إلى الأركية ، وهذه الأيام الزاهرة هي زبدة حلاوتها ، وسجدة تلاوتها ، وإمامتها العظمى أيدها الله تعالى ، تمهل الكافر مدة إملائه ، ثم تشفي الإسلام من دائه ، وتطهر الأرض بنجس دمائه ، بفضل الله تعالى ، المرجو زيادة نعمه قبلها وآلائه ، راجعت سيدي مؤديا ما يجب أداؤه ، ومقتديا وما كل أحد يحسن اقتداؤه ، وإنما ناضلت ثعليا (١) ، وعهدي بالنضال قديم ، وناظرت جدليا ، وما عندي للمقال تقديم ، وأطعته في الجواب ولقريحتي يعلم الله تعالى نكول ، ورويتي لو لا حق المسألة بطير الحوادث المرسلة عصف مأكول ، أتم الله تعالى عليه آلاءه ، وحفظ مودته وولاءه ، ومتع بخلّته الكريمة أخلاءه ، بمنه ، والسلام ، انتهت الرسالة.
ورأيت في رحلة ابن رشيد لما ذكر أبا المطرف ما صورته : وأما الكتابة فقد كان حامل لوائها ، كما قال بعض أصحابنا : ألان الله تعالى له الكلام ، كما ألان الحديد لداود عليه السلام ، وأخبرني شيخنا أبو بكر أن شيخه أبا المطرف رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ، فأعطاه حزمة أقلام ، وقال : استعن بهذه على كتابتك ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، انتهى.
وبعد كتبي لهذه الرسالة رأيت أن أذكر رسالة الحافظ ابن الأبار التي هذه جواب عنها ، وهي من غرض ما نحن فيه فلنقتبس نور البلاغة منها ، وهي :
سيدي وإن وجم لها النادي (٢) ، وجمجم بها المنادي (٣) ، ذلك لصغرها عن كبره في المعارف الأعلام ، وصدرها يوغر صدور الصحائف والأقلام ، وأعيذ ريحانة قريش ، أن تروح من حفيظتها في جيش ، قد هابتها مغاوير كل حي ، وأجابتها الغطاريف (٤) من قصي ، تدلف بين يديها كتيبة خالد ، وتحلف لا قدحت نار الهيجاء بزند صالد ، أو تنصف من غامطها ، وتقذف به وسط (٥) غطامطها ، لا جرم أني من جريمتي حذر ، وعما وضحت به قيمتي للمجد معتذر ، إلا
__________________
(١) ثعليا : نسبة إلى بني ثعل ، وهم قوم من العرب اشتهروا بجودة الرمي وإصابة المرمى.
(٢) وجم : سكت وعجز عن الكلام.
(٣) جمجم : لم يبين كلامه.
(٤) الغطاريف : جمع غطريف ، وهو الفتى الجميل.
(٥) في ه «من وسط غطامطها» والغطامط : الموج المرتفع.