فثغري مورد عذب زلال |
|
وفرع ذؤابتي ظلّ ظليل |
وقد أمّلت أن تظما وتضحى |
|
إذا وافى إليك بي المقيل |
فعجّل بالجواب فما جميل |
|
إباؤك عن بثينة يا جميل |
قال التجاني : تشبه أبيات حفصة هذه أبيات أنشدها ابن أبي الحصين في تاريخه لسلمى بنت القراطيسي من أهل بغداد ، وكانت مشهورة بالجمال ، وهي : [الوافر]
عيون مها الصريم فداء عيني |
|
وأجياد الظباء فداء جيدي |
أزيّن بالعقود وإنّ نحري |
|
لأزين للعقود من العقود |
ولا أشكو من الأوصاب ثقلا |
|
وتشكو قامتي ثقل النهود (١) |
وبلغت هذه الأبيات المقتفي أمير المؤمنين فقال : اسألوا هل تصدق صفتها قولها؟ فقالوا : ما يكون أجمل منها ، فقال : اسألوا عن عفافها ، فقالوا له : هي أعفّ الناس ، فأرسل إليها مالا جزيلا ، وقال : تستعين به على صيانة جمالها ، ورونق بهجتها ، انتهى.
رجع إلى حفصة ـ وقال أبو جعفر بن سعيد : أقسم ما رأيت ولا سمعت بمثل حفصة ، ومن بعض ما أجعله دليلا على تصديق عزمي ، وبرّ قسمي ، أني كنت يوما في منزلي مع من يحبّ أن يخلى معه من الأجواد الكرام على راحة سمحت بها غفلات الأيام ، فلم نشعر إلّا بالباب يضرب ، فخرجت جارية تنظر من الضارب ، فوجدت امرأة ، فقالت لها : ما تريدين؟ ادفعي لسيدك هذه الرقعة ، فجاءت برقعة فيها : [الخفيف]
زائر قد أتى بجيد الغزال |
|
مطلع تحت جنحه للهلال |
بلحاظ من سحر بابل صيغت |
|
ورضاب يفوق بنت الدّوالي (٢) |
يفضح الورد ما حوى منه خدّ |
|
وكذا الثغر فاضح للآلي |
ما ترى في دخوله بعد إذن |
|
أو تراه لعارض في انفصال |
قال : فعلمت أنها حفصة ، وقمت مبادرا للباب ، وقابلتها بما يقابل به من يشفع له حسنه وآدابه والغرام به وتفضّله بالزيارة دون طلب في وقت الرغبة في الأنس به ، انتهى.
قلت : وإذ قد جرى ذكر أبي جعفر بن سعيد سابق الحلبة فلنلمّ ببعض أحواله فنقول : هو
__________________
(١) الأوصاب : جمع وصب ، وهو المرض.
(٢) الرضاب : الريق. وبنت الدوالي : الخمر.