أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي ، قال قريبه أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد في «المغرب» (١) : سمعت أبي يقول : لا أعلم في بني سعيد أشعر منه ، بل لا أعلم في بلده ، وعشق حفصة شاعرة الأندلس ، وكانا يتجاوبان تجاوب الحمام ، ولمّا استبدّ والده بأمر القلعة حين ثار أهل الأندلس بسبب صولة بني عبد المؤمن على الملثّمين اتخذه وزيرا ، واستنابه في أموره ، فلم يصبر على ذلك ، واستعفى ، فلم يعفه ، وقال : أفي مثل هذا الوقت الشديد تركن إلى الراحة؟ فكتب إليه : [المجتث]
مولاي ، في أي وقت |
|
أنال في العيش راحه |
إن لم أنلها وعمري |
|
ما إن أنار صباحه |
وللملاح عيون |
|
تميل نحو الملاحه |
وكأس راحي ما إن |
|
تملّ منّي راحه |
والخطب عنّي أعمى |
|
لم يقترب لي ساحه |
وأنت دوني سور |
|
من العلا والرجاحه |
فأعفني وأقلني |
|
ممّا رأيت صلاحه |
ما في الوزارة حظّ |
|
لمن يريد ارتياحه |
كلّ وقال وقيل |
|
مما يطيل نباحه (٢) |
أنسي أتى مستغيثا |
|
فاترك فديت سراحه |
فلمّا قرأ الأبيات قال : لا ينفع الله بما لا يكون مركّبا في الطبع مائلة له النفس ، ثم وقّع على ظهر ورقته : قد تركنا سراح أنسك ، وألحقنا يومك بأمسك. ولمّا رجع ثوار الأندلس إلى عبد المؤمن وبايعه عبد الملك بن سعيد فغمره إحسانا وبراّ ، وولي السيد أبو سعيد بن عبد المؤمن غرناطة طلب كاتبا من أهلها ، فوصف له فضل أبي جعفر وحسبه وأدبه ، فاستكتبه ، فطلب أن يعفيه ، فأبى إلى أن شرب أبو جعفر يوما مع بعض (٣) خواصّه ، وخرج ثاني يوم إلى الصيد وكان اليوم ذا غيم وبرد ، ولمّا اشتدّ البرد مالوا إلى خيمة ناطور (٤) ، وجعلوا يصطلون ويشربون على ما اصطادوا ، فحمل أبا جعفر بقيّة السكر على أن قال يصف يومه ، ويستطرد بما في نفسه : [الطويل]
ويوم تجلّى الأفق فيه بعنبر |
|
من الغيم لذنا فيه باللهو والقنص |
__________________
(١) انظر المغرب ج ٢ ص ١٦٤.
(٢) في ب ، ه : «ممن يطيل بناحه».
(٣) كلمة «بعض» ساقطة من ب.
(٤) الناطور : حارس البستان والقيم عليه.