الحيف والجور (١) ، فلم يصغ إليهم ، وكثر الخلاف واشتدّ الخطب ، وطلب الناس تأخير الوزير ، وتفاقم الأمر ، وصح عند النصارى ـ لعنهم الله تعالى! ضعف الدولة واختلاف القلوب ، فبادروا إلى الحامة (٢) فأخذوها غدرا آخر أيام الصلح على يد صاحب قادس سنة سبع وثمانين وثمانمائة ، وغدوا للقلعة ، وتحصنوا بها ، ثم شرعوا في أخذ البلد ، فملؤوا الطرق خيلا ورجالا ، وبذلوا السيف فيمن ظهر من المسلمين ، ونهبوا الحريم ، والناس في غفلة نيام من غير استعداد كالسكارى ، فقتل من قضى الله تعالى بتمام أجله ، وهرب البعض ، وترك أولاده وحريمه ، واحتوى العدوّ على البلد بما فيه ، وخرج العامة والخاصة من أهل غرناطة عند ما بلغهم العلم ، وكان النصارى عشرة آلاف بين ماش وفارس ، وكانوا عازمين على الخروج بما غنموه ، وإذا بالسرعان (٣) من أهل غرناطة وصلوا ، فرجع العدو إلى البلد ، فحاصرهم المسلمون ، وشدّدوا في ذلك ، ثم تكاثر المسلمون خيلا ورجالا من جميع بلاد الأندلس ، ونازلوا الحامة ، وطمعوا في منع الماء عن العدوّ ، وتبين للعامة أن الجند لم ينصحوا ، فأطلقوا ألسنتهم بأقبح الكلام فيهم وفي الوزير ، وبينما هم كذلك وإذا (٤) بالنذير جاء أن النصارى أقبلوا في جميع عظيم (٥) لإغاثة من بالحامة من النصارى ، فأقلع جند المسلمين من الحامة ، وقصدوا ملاقاة الواردين من بلاد العدو ، ولما علم بهم العدو ولّوا الأدبار من غير ملاقاة محتجين بقلتهم ، وكان رئيسهم (٦) صاحب قرطبة.
ثم إن صاحب إشبيلية جمع جندا عظيما من جيش النصارى الفرسان والرجالة (٧) ، وأتى لنصرة من في الحامة من النصارى ، وعند ما صح هذا عند العسكر اجتمعوا ، وأشاعوا عند الناس (٨) أنهم خرجوا بغير زاد ولا استعداد ، والصلاح الرجوع إلى غرناطة ليستعد الناس ويأخذوا ما يحتاج إليه الحصار من العدة والعدد ، فعندما أقلع المسلمون عنها دخلتها (٩) النصارى الواردون ، وتشاوروا في إخلائها أو سكناها ، واتفقوا على الإقامة بها ، وحصنوها ، وجعلوا فيها جميع ما يحتاج إليه ، وانصرف صاحب إشبيلية ، وترك أجناده ، وفرق فيهم
__________________
(١) الحيف : الظلم. والجور : مثله.
(٢) في ه «بادروا إلى الحمة» هنا. لكن ذكر فيما بعد بلفظ «الحامة» مكررا.
(٣) السرعان : المسرعون.
(٤) في ب «كذلك إذا بالنذير جاء ...».
(٥) في ب «في جمع عظيم».
(٦) في ه «وكان رائسهم».
(٧) في ج «من الفرسان والرجال».
(٨) في ه «عن الناس».
(٩) في ه «دخلها النصارى».