مجلسا أقيم له بناؤه خارج الحمراء قلعة غرناطة ، وكان ابتداء هذا العرض يوم الثلاثاء تاسع عشر الحجة (١) عام اثنين وثمانين وثمانمائة ، ولم تزل الجنود تعرض عليه كل يوم إلى الثاني والعشرين من محرم السنة التي تليها ، وهو يوم ختام العرض ، وكان معظم المتنزهين والمتفرجين بالسبيكة (٢) ، وما قارب ذلك ، فبعث الله تعالى سيلا عرما على وادي حدرة بحجارة وماء غزير كأفواه القرب ، عقابا من الله سبحانه وتأديبا لهم لمجاهرتهم بالفسق والمنكر ، واحتمل الوادي ما على حافتيه من المدينة من حوانيت ودور ومعاصر وفنادق وأسواق وقناطر وحدائق ، وبلغ تيار السيل إلى رحبة الجامع الأعظم ، ولم يسمع بمثل هذا السيل في تلك البلاد ، وكان بين رؤساء الإفرنج في ذلك الوقت اختلاف ، فبعضهم استقل بملك قرطبة ، وبعض بإشبيلية ، وبعض بشريش ، وعلى ذلك كان صاحب غرناطة السلطان أبو الحسن قد استرسل في اللذات ، وركن إلى الراحات ، وأضاع الأجناد ، وأسند الأمر إلى بعض وزرائه ، واحتجب عن الناس ، ورفض الجهاد والنظر في الملك ، ليقضي الله تعالى ما شاء ، وكثرت المظالم والمغارم (٣) ، فأنكر الخاصة والعامة ذلك منه ، وكان أيضا قد قتل كبار القواد وهو يظن أن النصارى لا يغزون بعد (٤) البلاد ، ولا تنقضي بينهم الفتنة ولا ينقطع الفساد ، واتفق أن صاحب قشتالة تغلب على بلادها بعد حروب ، وانقاد له رؤساء الشرك المخالفون ، ووجدت النصارى السبيل إلى الإفساد ، والطريق إلى الاستيلاء على البلاد ، وذلك أن كان للسلطان أبي الحسن ولدان محمد ويوسف وهما من بنت عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر ، وكان قد اصطفى على أمهما رومية كان لها منه بعض ذرية ، وكان حظية (٥) عنده مقدمة في كل قضية ، فخيف أن يقدم أولاد الرومية ، على أولاد بنت عمه السنية ، وحدث بين خدّام الدولة التنافر والتعصب ، لميل بعضهم إلى أولاد الحرة ، وبعض إلى أولاد الرومية ، وكان النصارى أيام الفتنة بينهم هادنوا السلطان لأمد حدّوه وضربوه ، ولما تم أمد الصلح وافق وقته هذا الشأن بين أولياء الدولة بسبب الأولاد ، وتشكى الناس مع ذلك بالوزراء (٦) والعمال لسوء ما عاملوا به الناس من
__________________
(١) في ب «ذي الحجة».
(٢) كذا في أب ، ج ، ه. وفي نسخة عند ه «بالسبيكية» وفي أخرى «بالسبكية».
(٣) في ب ، ه «وكثرت المغارم والمظالم».
(٤) في نسخة «لا يغزون بعد ذلك البلاد».
(٥) حظية : مقربة مكرمة.
(٦) في ب «وتشكى الناس مع ذلك بالوزير».