ثم جعل يقول : قطع الله لساني إن كان اليوم على وجه الأرض من يعرف أن يسمعه ، فضلا عن أن يقوله.
وله القصيدة الشهيرة : [الوافر]
نداك الغيث إن محل توالى |
|
وأنت الليث إن شاؤوا القتالا |
سلبت الليث شدّة ساعديه |
|
نعم ، وسلبت عينيه الغزالا |
وما أفنى السؤال لكم نوالا |
|
ولكن جودكم أفنى السؤالا |
وقد تقدم هذا البيت في حكايته مع ابن سعيد.
وقال في حلقة خياط ، وهو من محاسنه : [البسيط]
كأنها بيضة وخز الرماح بها |
|
باد وقونسها بالسيف قد قطعا |
وقال : [البسيط]
فالليل إن واصلت كالليل إن هجرت |
|
أشكو من الطول ما أشكو من القصر |
رجع إلى أخبار أبي جعفر بن سعيد :
قال في «الأزهار المنثورة ، في الأخبار المأثورة» ما نصّه : لمّا قبض على الوزير أبي جعفر ابن عبد الملك بن سعيد العنسي ، وثقف بمالقة ، دخل إليه (١) ابن عمّه ، ووصل إلى الاجتماع به ريثما استؤذن السيد أبو سعيد ابن الخليفة عبد المؤمن في أمره ، قال : فدمعت عيناي حين رأيته مكبولا (٢) ، فقال لي : أعليّ تبكي بعد ما بلغت من الدنيا أطايب لذاتها ، فأكلت صدور الدجاج ، وشربت في الزجاج ، ولبست الديباج ، وتمتّعت بالسراري والأزواج ، واستعملت من الشمع السراج الوهّاج ، وركبت كل هملاج (٣) ، وها أنا في يد الحجاج ، منتظر محنة الحلّاج (٤) ، قادم على غافر لا يحتاج إلى اعتذار ولا إلى (٥) احتجاج؟ قال : فقلت : أفلا يؤسف على من ينطق بهذا الكلام ، ثم يفقد؟ وقمت عنه فكان آخر العهد به ، انتهى.
__________________
(١) في ه : «دخل عليه ابن عمه».
(٢) مكبولا : مقيدا بالكبول وهي جمع كبل : القيد.
(٣) الهملاج : الفرس الشديد العدو ، السريع.
(٤) الحجاج : هو الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق لبني أمية ، وقد اشتهر بسفكه للدماء. أما الحلاج فهو الصوفي الشهير الذي شهد عليه أهل زمانه بالكفر والإلحاد ، فقتل لذلك ، وقد شبه الشاعر نفسه بالحلاج وآسره بالحجاج.
(٥) في ب : «ولا احتجاج».