للغناء ، وينظم الشعر ويلحنه ، ويغني به ، فيطرب سامعيه ، ومن شعره قوله : [الطويل]
إذا ظنّ وكرا مقلتي طائر الكرى |
|
رأى هدبها فارتاع خوف الحبائل |
وقال بعض العلماء في حقّه : إنه آخر فلاسفة الأندلس ، قال : وأعجب ما وقع له في الشعر أنه دخل سلا وقد فرغ ابن عشرة من بناء قصره ، والشعراء تنشده في ذلك ، فارتجل ابن الحمارة هذين البيتين ، وأنشدهما بعدهم : [البسيط]
يا واحد الناس قد شيّدت واحدة |
|
فحلّ فيها محلّ الشمس في الحمل (١) |
فما كدارك في الدنيا لذي أمل |
|
ولا كدارك في الأخرى لذي عمل |
وسيأتي ذكر هذين البيتين.
وكان أهل الأندلس في غاية الاستحضار للمسائل العلمية على البديهة ، قال ابن مسدي :
أملى علينا ابن المناصف النحوي بدانية على قول سيبويه «هذا باب ما الكلم من العربية» عشرين كراسا ، بسط القول فيها في مائة وثلاثين وجها ، انتهى ..
وهذا وأشباهه يكفيك في تبحّر أهل الأندلس في العلم ، وربما سئل العالم منهم عن المسألة التي يحتاج في جوابها إلى مطالعة ونظر ، فلم يحتج إلى ذلك ، ويذكر من فكره ما لا يحتاج معه إلى زيادة.
ومن الحكايات في مثل ذلك أنّ الأديب البليغ الحافظ أبا بكر بن حبيش لمّا قال في تخميسه المشهور : [الطويل]
بماذا على كلّ من الحقّ أوجبت
اعترض عليه أبو زكريا اليفرني بما نصّه : استعمل المخمّس «ما ذا» في البيت تكثيرا وخبرا ، والمعروف من كلام العرب استعمالها استفهاما ، فجاوبه بقوله : أمّا استعمالها استفهاما كما قال فكثير ، لا يحتاج إلى شاهد ، وأمّا استعمالها في ألسن فصحاء العرب للكثرة فكثير لا يحتاج إلى شاهد لو وصل بحث ، واستعمل مكث ، فلم يعترض عليّ ولي ، ولا تشكّك في جلي : [الوافر]
وليس يصحّ في الأفهام شيء |
|
إذا احتاج النهار إلى دليل |
قال الله تعالى في سورة يونس (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ
__________________
(١) الحمل : برج من أبراج السماء.