دخلها صلحا ، وقال غيره : إنه دخلها عنوة ، وحرقها (١) ، وعاث فيها ، وممن أحرق فيها الأديب أبو جعفر البنّي (٢) الشاعر المشهور رحمه الله تعالى وعفا عنه ، فوجه أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين الأمير أبا محمد مزدلي ففتحها الله تعالى على يديه سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، وتوالى عليها أمراء الملثمين ، ثم صارت ليحيى بن غانية الملثم حين ولي جميع شرق الأندلس ، فقدم عليها أخاه عبد الله بن غانية ، ولما ثارت الفتنة في المائة السادسة أخرجه منها مروان بن عبد العزيز ، إلى أن قام عليه جيش بلنسية سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، وبايعوا لابن عياض ملك شرق الأندلس ، ففر مروان إلى المرية ، ثم رجعت بلنسية إلى أبي عبد الله بن مردنيش ملك شرق الأندلس بعد ابن عياض ، وقدم عليه أخاه أبا الحجاج يوسف بن سعد بن مردنيش ، إلى أن رجع أبو الحجاج إلى جهة بني عبد المؤمن ، إلى أن ولي عليها السيد أبو زيد عبد الرحمن بن السيد أبي عبد الله بن أبي حفص ابن أمير المسلمين عبد المؤمن بن علي ، فلما ثار العادل بمرسية تمنع واعتز ، وأظهر طاعة في باطنها معصية ، ودام على ذلك مع أبي العلاء المأمون ، وكان قائد الأعنة المشار إليه في الدفاع عن بلنسية الأمير زياد بن أبي الحملات بن أبي الحجاج بن مردنيش ، فأخرجه من بلنسية ، وملكها ، وفر السيد إلى النصارى ، ولم يزل أمر بلنسية يضعف باستيلاء العدو على أعمالها إلى أن حصرها ملك برشلونة النصراني ، فاستغاث زيان بصاحب إفريقية أبي زكريا بن أبي حفص ، وأوفد عليه في هذه الرسالة كاتبه الشهير أبا عبد الله بن الأبار القضاعي صاحب كتاب «التكملة» و «إعتاب الكتاب» وغير هما ، فقام بين يدي السلطان منشدا قصيدته السينية الفريدة التي فضحت من باراها ، وكبا دونها من جاراها ، وهي : [البسيط]
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا |
|
إنّ السّبيل إلى منجاتها درسا (٣) |
وهب لها من عزيز النّصر ما التمست |
|
فلم يزل منك عزّ النّصر ملتمسا |
وحاش ممّا تعانيه حشاشتها |
|
فطالما ذاقت البلوى صباح مسا |
يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا |
|
للحادثات وأمسى جدّها تعسا (٤) |
في كلّ شارقة إلمام بارقة |
|
يعود مأتمها عند العدا عرسا (٥) |
__________________
(١) في ب «وأحرقها».
(٢) في أ، ه «البتي».
(٣) منجاتها : أراد نجاتها مما حلّ بها. ودرس : عفت آثاره وطمست معالمه.
(٤) جزرا : معدين للذبح. والجد : البخت والحظ.
(٥) في ب ، ه «في كل شارقة إلمام بائقة».