حارت عقول الناس في إبداعها |
|
ألسكرها أم شكرها تتأوّد (١) |
فيقول أرباب البطالة : تنثني |
|
ويقول أرباب الحقيقة : تسجد |
قال الشيخ أبو البركات القميحي : قلت لابن مكنون : ما الذي يدلّ على أنهما في وصف الثمار؟ فقال : وطّئ أنت لهما ، فقلت : [الكامل]
يا من أتى متنزّها في روضة |
|
أزهارها من حسنها تتوقّد |
أنظر إلى الأشجار في دوحاتها |
|
والريح تنسف والطيور تغرّد |
فترى الغصون تمايلت أطرافها |
|
وترى الطيور على الغصون تعربد (٢) |
قال ابن رشيد : غلط المذكور في نسبته البيتين لابن مكنون ، وإنما هما لأبي زيد الفازازي من قصيدة أولها : [الكامل]
نعم الإله بشكره تتقيّد |
|
فالله يشكر في النوال ويحمد |
مدّت إليه أكفّنا محتاجة |
|
فأنالها من جوده ما تعهد |
والبيتان في أثنائها ، غير أنّ أولهما في ديوانه هكذا : [الكامل]
تاهت عقول الناس في حركاتها
انتهى.
ورأيت في «روضة التعريف» للسان الدين بعدهما بيتا ثالثا ، وهو : [الكامل]
وإذا أردت الجمع بينهما فقل |
|
في شكر خالقها تقوم وتقعد |
وحكي أنّ حافظ الأندلس إمام الأدباء ، ورئيس المؤلّفين ، حسنة الزمان ، نادرة الإحسان ، أبا محمد عبد الله بن إبراهيم الصنهاجي الحجاري صاحب كتاب «المسهب» كان سبب اتّصاله بعبد الملك بن سعيد جدّ علي بن موسى صاحب «المغرب» أنه وفد عليه في قلعته ، فلمّا وقف ببابه (٣) وهو بزيّ بداوة ازدراه البوّابون ، فقال لهم : استأذنوا لي على القائد ، فضحكوا به ، وقالوا له : ما كان وجد القائد من يدخل عليه في هذه الساعة إلّا أنت؟ فمدّ يده إلى دواة في حزامه وسحاءة (٤) ، وكتب بها : بباب القائد الأعلى ـ لا زال آهلا بأهل الفضيلة ـ! رجل وفد عليه من شلب بقصيدة مطلعها : [الوافر]
__________________
(١) تتأود : تعوج وتتلوى ، وتنثني.
(٢) تعربد : المعنى مأخوذ من عربدة السكران أي إيذائه للناس. والاستعارة هنا تفيد الحركة وليس المعنى المباشر.
(٣) في ب ، ه : «وقف على بابه».
(٤) السحاءة : القشرة ، أو الجلدة. وأراد هنا الورقة التي يكتب عليها.