على أمسه ، حتى يسمح لها بولده ، ويخصها بقرة عينه وفلذة كبده ، فلما ورد منه الخبر ، الذي راقت منه الحبر ، ووضحت من سعادته الغرر ، بإجازتكم البحر ، واختياركم في حال الشبيبة الفخر ، وصدق مخيلة الدين فيكم ، واستقراركم في الثغر الشهير الذي افتتحه سيف جدّكم واستنقذه سعد أبيكم ، سررنا بقرب المزار ، ودنوّ الدار (١) ، وقابلنا صنع الله تعالى بالاستبشار ، ووثقنا وإن لم نزل على ثقة من عناية الله تعالى وعناية محل والدنا بهذه الأقطار ، وحمدنا الله تعالى على هذه الآلاء المشرقة (٢) ، والنعم المغدقة ، والصنائع المتألقة (٣) ، بادرنا نهنّي أخوّتكم أو لا بما يسره الله تعالى لكم من سلامة المجاز ، ثم بما منحكم الله تعالى من فضل الاختصاص بهذا الغرض والامتياز ، فإمارتكم الإمارة التي أخذت بأسباب السماء ، وركبت إلى الجهاد في سبيل الله تعالى جياد الخيل والماء ، وأصبحت على حال الشبيبة شجا في حلوق الأعداء ، ونحن أحق بهذا الهناء ، ولكنها عادة الود وسنّة الإخاء ، فالله عز وجل يجعله مقدما ميمون (٤) الطائر ، متهلل البشائر ، تتهّلل (٥) بصنع الله بعده وجوه القبائل والعشائر ، ويجري خبر سعادتكم مجرى المثل السائر ، ويشكر محل والدنا فيما كان من اختياره ، ومزيد إيثاره ، ويجازيه جزاء من سمح في ذاته بمظنة ادّخاره ، ومذ رأينا أن هذا الغرض لا يجتزى (٦) فيه بالكتابة ، دون الاستنابة ، وجهنا لكم من يقوم بحقه ، ويجري من تقرير ما لدينا على أوضح طرقة ، وهو القائد الكذا ، ومجدكم يصغي (٧) لما يلقيه ، ويقابل بالقبول ما من ذلك يؤديه ، والله تعالى يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، والسلام.
وكان الطاغية الملعون أيام السلطان أبي عنان رحمه الله تعالى نازل جبل الفتح ثم كفى الله تعالى شره في ذلك التاريخ.
ومن إنشاء لسان الدين على لسان سلطانه أبي الحجاج يخاطب أبا عنان سلطان فاس والمغرب وذلك بما نصه :
المقام الذي رمى له الملك الأصيل بأفلاذه ، وأدّى منه الإسلام إلى ملجئه الأحمى وملاذه ، وكفلت السعود بإمضاء أمره المطاع وإنفاذه ، وشأي (٨) حلبة الكرم فكان وحيد آحاده وفذّ أفذاذه ، وابتدع غرائب الجود فقال لسان الوجود : نعمت البدعة هذه ، مقام محل أخينا
__________________
(١) دنو الدار : قربها.
(٢) الآلاء : النعم.
(٣) الصنائع : جمع صنيعة ، وهي الإحسان.
(٤) ميمون الطائر : أراد أنه مبارك.
(٥) تتهلل : تشرق.
(٦) يجتزى : أصلها يجتزأ : أي يكتفى.
(٧) يصغي : يستمع.
(٨) شأي : سبق ، والحلبة : الموضع الذي تتسابق فيه الخيل.